(5) قوله (وسعديك): قال النووي: ومعنى سعديك، أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وقال ابن هشام في (أوضح المسالك): (وسعديك) بمعنى إسعاداً لك بعد إسعاد. وقال في (باب الإضافة) بعد أن قسم المضاف إلى المضمر إلى قسمين وذكر ما يضاف إلى كل مضمر وهو (وحد) قال: وما يختص بضمير المخاطب وهو مصادر مثناة لفظاً ومعناها: التكرار، وهي لبيك بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة، وسعديك بمعنى إسعاداً لك بعد إسعاد، ولا تستعمل إلاّ بعد لبيك. انتهى. ثم ذكر ألفاظاً أخرى تختص بالإضافة إلى ضمير المخاطب أيضاً.
وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه في (كتاب العلم) من صحيح البخاري قوله (قال: لبيك يا رسول الله وسعديك): اللب ـ بفتح اللام ـ معناه هنا: الإجابة والسعد المساعدة، كأنه قال: لباً لك وإسعاداً لك، ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير، أي إجابة بعد إجابة، وإسعاداً بعد إسعاد. انتهى.
(6) قوله (هل تدري ما حق الله على العباد؟): قال الحافظ في (الفتح): ((الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة، ويقال للكلام الصدق حق، لأن وقوعه متحقق لا تردد فيه، وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه، والمراد هنا: ما يستحقه الله على عباده مما جعله محتماً عليهم)). قاله ابن التيمي في (التحرير). وقال القرطبي: ((حق الله على عباده هو ما وعدهم به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه)).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه (تيسير العزيز الحميد): قوله (أتدري ما حق الله على العباد): الدراية هي المعرفة، وأخرج السؤال بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم، فإن الإنسان إذا سئل عن مسألة لا يعلمها ثم أخبر بها بعد الامتحان بالسؤال عنها، فإن ذلك أدعى لفهمها وحفظها، وهذا من حسن إرشاده وتعليمه صلى الله عليه وسلم.
(7) قوله (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)، قال الحافظ في (الفتح): المراد بالعبادة: عمل الطاعة واجتناب المعاصي، وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة، أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك، والجملة حالية والتقدير: يعبدونه في حال عدم الإشراك به. قال ابن حبان: عبادة الله: إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، ولهذا قال في الجواب: فما حق العباد إذا فعلوا ذلك فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول.
(8) قوله (هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟) أي: إذا فعلوا حقه تعالى فالضمير يرجع إلى قوله (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً).
(9) قوله (حق العباد على الله أن لا يعذبهم) قال الحافظ في (الفتح): قال القرطبي: ((حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد)).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في (تيسير العزيز الحميد): وحق العباد على الله معناه: أنه متحقق لا محالة، لأنه قد وعدهم ذلك جزاء على توحيده، ووعده حق إن الله لا يخلف الميعاد.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في (تيسير العزيز الحميد): ((كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل، ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول لا معنى للاستحقاق إلاّ أنه أخبر بذلك ووعده صدق، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقاً زائداً على هذا، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم47، ولكن أهل السنة يقولون هو الذي كتب على نفسه الرحمة، وأوجب هذا الحق على نفسه لم يوجبه عليه مخلوق، والمعتزلة يدعون أنه أوجب عليه بالقياس على الخلق، وأن العباد هم الذين أطاعوه دون أن يجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغلطوا في ذلك)). انتهى.
(10) من فقه الحديث، وما يستنبط منه:
(1) بيان حق الله على عباده.
(2) بيان حق العباد على الله إذا أدّوا حقه.
(3) جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة.
(4) فضل معاذ بن جبل رضي الله عنه.
(5) تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الدواب مع الإرداف عليها.
(6) الإرشاد إلى الطريقة المفيدة في التعليم، وهي إخراج السؤال بصيغة الاستفهام ليكون أبلغ في النفس وأوقع في فهم المتعلم.
(7) تكرار السؤال لتأكيد الاهتمام بما يخبر به المعلم.
(8) حسن أدب معاذ بن جبل رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(9) أن على المسؤول إذا سئل عن شيء لا يعلمه، أن يكل العلم إلى عالمه وهو أولى من قوله: لا أدري، لأن قوله (الله أعلم) يفيد ما يفيده لا أدري مع اشتماله على الثناء على الله سبحانه.
المصدر: http://www.alssunnah.com/main/articl..._no=4461&items
¥