فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرسي، فقعد عليه في أصل المنبر وعلمه. فالأفضل في كل وقت بحسب الشيء القائم في ذلك الوقت. فإذا أذن المؤذن أيهما أفضل قراءة القرآن أو إجابة المؤذن وقراءة القرآن الحرف فيه بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف؟ يبقى الأفضل ترديد الأذان، والأفضل في أوقات الصلوات الخمس إقامتها على وجهها الصحيح، والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج المساعدة بالجاه أو البدن أو المال وإغاثة اللهفان ولو أدى ذلك إلى ترك الأوراد والأذكار وقراءة القرآن، وليس الأفضل في وقت الوقوف بعرفة شراء البيبسي والبارد والتسكع والتجول في الشوارع وبين المخيمات؛ ليأخذ فكرة عن الحج وعدد الحجاج، يدخل في بعثة الحج الفلانية ويطلع في البعثة الطبية الفلانية ويحضر من هنا، والوقت الآن وقت تفرغ للعبادة والدعاء. والأفضل في العشر الأواخر من رمضان الإقامة في المسجد والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم، حتى لو كان تعلم علم فالاعتكاف أولى. وعند مرض المسلم الأولى عيادته، وعند موته الأفضل حضور الجنازة والتشييع، وعند فساد الناس الأفضل الاشتغال بإصلاحهم ودعوتهم إلى الله عز وجل. إذاً: عرفنا أنه إذا توفرت عندنا الأوقات؛ فإننا نشغلها بالأهم في كل وقت، ومن الأشياء المهمة معرفة الأولويات .. ما هو الأولى؟ ما هو الذي نقدمه على أي شيء؟ مثلاً في طلب العلم:
وإذا طلبت العلم فاعلم أنه حمل فأبصر أي شيء تحمل
وإذا علمت بأنه متفاضل فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل
العلم إن طلبته كثير، والعمر في تحصيله قصير، فقدم الأهم فالأهم، لو أتيت تريد أن تنهي العلم لا يمكن، ينتهي عمرك ولا ينتهي العلم فماذا تفعل؟ تشتغل بالأهم، ومن شغل نفسه بغير المهم أضر بالمهم.
أمثلة على الفوضوية في طلب العلم:
الاشتغال بعلم الكلام:
ومن أمثلة ضياع العمر: الاشتغال بعلم الكلام كما ندم على ذلك جماعة من القدماء منهم الرازي الذي يقول:
نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذى ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
في بحثنا: أي في علم الكلام. أنت يمكن أن تندم بسبب انشغالك بالأشعار أو تفاصيل القصص والتواريخ، لكن لا يمكن أبداً أن تندم إذا انشغلت انشغالك بالتفسير أو علوم السنة، ومعرفة معاني الأحاديث، فمعرفة معاني كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أجل ما صرفت فيه أوقات طلبة العلم.
الاشتغال بالأدوات أكثر من الانشغال بالهدف:
بعض الناس يشتغلون بالأدوات أكثر من انشغالهم بالهدف، فيشتغل باللغة أكثر مما يشتغل فيما هو الهدف من دراسة اللغة، وهو الوصول إلى فهم القرآن والسنة، وبعضهم يقول: أنا أستغل وقتي وأقرأ ست ساعات في اليوم، فإذا نظرت في أي شيء يقرأ؛ وجدت أن خطة الشيطان في اشتغاله بالمفضول عن الفاضل قد تحققت، واللازم في طلب العلم طلب المهم، فرب واحد يأتي على حديث يحفظ له اثنا عشر طريقاً أو عشرين طريقاً مثل: (من أتى الجمعة فليغتسل) لكنه ينشغل بذلك عن معرفة آداب الغسل.
عدم إكمال الأشياء:
من الفوضوية في طلب العلم عدم إكمال الأشياء، وهذه نقطة مهمة، مثلاً: أحياناً تجد أحدهم يبحث في مسألة: هل الصوم في كفارة اليمين لمن عجز عن الإطعام متتابع أم متفرق؟ فيبحث وأثناء البحث لم يصل للمسألة لكنه وقف على مسألة أخرى، مثلاً النفاس: هل هو أربعون يوماً أو أكثر، فينشغل في هذه المسألة، وبينما هو يقرأ وجد حديثاً فأراد أن يعرف هل هو صحيح أم ضعيف؟ فبحث عنه فلم يجده فتتبع رجال الحديث فإذا به يجد رجلاً لا يدري كيف ينطق اسمه، هل لُهَيعة أم لَهِيعة؟ فذهب يبحث في كتب ضبط الأسماء، وكان الكتاب غير موجود، فيستعيره، وهكذا يظل يتنقل من مكان إلى آخر بدون أن يكمل ولا مسألة من المسائل، وهذه مسألة حاصلة يقع فيها كثير من طلبة العلم.
متابعة جميع الأشياء الجديدة:
من الفوضوية في طلب العلم متابعة جميع الأشياء الجديدة، فبعض طلبة العلم مغرمون بكل شيء جديد ظهر في السوق، فتراه يتابعه ويقرؤه، لكن متى تقرأ في فتح الباري ومجموع الفتاوي، وتفسير ابن كثير، والمغني إذا أنت كلما ظهر كتاب في السوق ذهبت وراءه.
الانشغال بالفرعيات عن الهدف الأساسي:
¥