تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبوالليث الشيراني]ــــــــ[21 - 06 - 10, 02:38 ص]ـ

فَصْلٌ فِي: هل يتعين المسجد لصلاة الجماعة؟ أم. لا؟

المسألة الثامنة, وهي: هل له فعلها في بيته؟ أم يتعين المسجد؟

فهذه المسألة فيها قولان للعلماء, وهما روايتان عن الإمام أحمد:

1. أحدهما: له فعلها في بيته؛ وبذلك قالت الحنفية والمالكية, وهو أحد الوجهين للشافعية.

2. ليس له فعلها في البيت إلا من عذر.

3. وفي المسألة قول ثالث: فِعْلُها في المسجد فرض كفاية, وهو الوجه الثاني لأصحاب الشافعي.

أدلة القول الأول: حديث الرجلين اللذين صليا في رحالهما؛ فإن النبي ندبهما إلى فعلها في المسجد, ولم ينكر عليهما فعلها في رحالهما.

وكذلك حديث محجن بن الأدرع, وحديث عبدالله بن عمر, وقد تقدمت هذه الأحاديث.

وفي الصحيحين [البخاري, رقم:380, مسلم, رقم:659] , عن أنس بن مالك, قال: «كان النبي أحسن الناس خلقا, فربما حضرت الصلاة وهو في بيتنا, فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح, ثم يقوم ونقوم خلفه, فيصلي بنا».

وفي الصحيحين [البخاري, رقم:689, مسلم, رقم:411] , عنه أيضا, قال: «سقط النبي عن فرس, فجحش شقة الأيمن, فدخلنا عليه نعوده, فحضرت الصلاة فصلى قاعدا».

و في الصحيحين [البخاري, رقم:3425, مسلم, رقم:520] , أيضا عن أبي ذر, قال: سألت النبي: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام, ثم المسجد الأقصى, ثم حيثما أدركتك الصلاة فصل؛ فإنه مسجد».

وصح عنه: «جُعِلَتْ ليَ كلّ أرض طيبة مسجدا وطهورا» [البخاري, رقم:335, مسلم, رقم:521].

ووجه الرواية الثانية: ما تقدم من الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة؛ فإنها صريحة في إتيان المساجد.

وفي مسند الإمام أحمد [3/ 423] , عن ابن أم مكتوم, أن رسول الله أتى المسجد, فرأى في القوم رقة, فقال: «إني لأهم أن أجعل للناس إماما ثم أخرج فلا أقدر على إنسان يتخلف عن الصلاة في بيته؛ إلا أحرقته عليه» , وفي لفظ لأبي داود [رقم:553]: «ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة؛ فأحرق عليهم بيوتهم».

و قال له ابن أم مكتوم -وهو رجل أعمى-: هل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: «لا أجد لك رخصة» [أبو داود, رقم:552].

وقال ابن مسعود: «لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم, ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم!» [مسلم, رقم:654].

وعن جابر بن عبد الله, قال: فَقَدَ النبيُّ قَوْمَاً في صلاة, فقال: «ما خالفكم عن الصلاة؟!» , فقالوا: الماء كان بيننا, فقال: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» رواه الدار قطني [السنن3/ 111, 174].

وقد تقدم هذا المعنى عن علي ابن أبي طالب وغيره من الصحابة؛ فإن خالف وصلى في بيته جماعة من غير عذر, ففي صحة صلاته قولان:

قال أبو البركات ابن تيمية -في شرحه-: «فإن خالف وصلاها في بيته جماعة لا تصح من غير عذر, بناء على ما اختاره ابن عقيل في تركه الجماعة؛ حيث ارتكب النهي! ويعضده قوله: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) [سنن الدار قطني3/ 111, 174] , قال: والمذهب الصحة؛ لقوله: (صلاة الرجل في جماعة تضاعف على صلاته في بيته أو في سوقه خمسا وعشرين ضعفا) [البخاري, رقم:647] , ويُحْمل قوله: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» [سنن الدار قطني3/ 111, 174] على نفي الكمال جمعا بينهما.

والرواية الأولى: اختيار أصحابنا, وأن حضور المسجد لا يجب؛ وهي عندي بعيدة جدا إن حملت على ظاهرها؛ فإن الصلاة في المسجد من أكبر شعائر الدين وعلاماته, وفي تركها بالكلية أو في المفاسد ومحو آثار الصلاة بحيث تفضي إلى فتور همم أكثر الخلق عن أصل فعلها؛ ولهذا, قال عبد الله بن مسعود: (لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم, ولو تركتم سنة نبيكم؛ لضللتم) [مسلم, رقم:654]».

قال: «وإنما معنى هذه الرواية -والله اعلم-: أن فعلها في البيت جائز لآحاد الناس إذا كانت تقام في المساجد, فيكون فعلها في المسجد فرض كفاية على هذه الرواية, وعلى الأخرى فرض عين».

قال: «ويدل على ذلك: جواز الجمع بين الصلاتين للأمطار, ولو كان الواجب فعل الجماعة فقط دون الفعل في المسجد؛ لما جاز الجمع لذلك؛ لأن أكثر الناس قادرون على الجماعة في البيوت, فإن الإنسان غالبا لا يخلو أن تكون عنده زوجة أو ولد أو غلام أو صديق أو نحوهم, فيمكنه الصلاة جماعة؛ فلا يجوز ترك الشرط وهو الوقت من أجل السنة, فلما جاز الجمع عُلِمَ أن الجماعة في المساجد فرض إما على الكفاية, وإما على الأعيان» , هذا كلامه.

ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة, فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر, وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار.

ولما مات رسول الله وبلغ أهل مكة موته خطبهم سهيل بن عمرو, وكان عتاب بن أسيد عامله على مكة قد توارى خوفا من أهل مكة, فأخرجه سهيل وثبت أهل مكة على الإسلام, فخطبهم بعد ذلك عتاب=وقال: «يا أهل مكة, والله لا يبلغني أن أحدا منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه!» , وشكر له أصحاب رسول الله هذا الصنيع, وزاده رفعة في أعينهم.

فالذي ندين الله به: أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد؛ إلا من عذر. والله أعلم بالصواب)) انتهى كلام ابن القيم -رحمه الله-.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير