ما رواه النسائي في سننه، وأبو نعيم في الحلية بسند صحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلي عمر بن الوليد كتاباً قال فيه: [وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك، جمة سوء] فهذا يبين بجلاء أن المعازف والمزامير كانت مستنكرة عند السلف، وأن المتخذ لها يستحق التعزير والعقوبة.
تنبيه مهم:
لابد أن يعلم أن الدف قد استثنته الشريعة من عموم التحريم في مناسبات خاصة وللنساء فقط، وتلك المناسبات هي:
1 - حفلة العرس والزفاف: لما رواه البخاري – في كتاب النكاح – عن الربيع بنت معوذ قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بُني علي، فجلس على فراشي فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر.
2 - العيد: لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، تدففان وتضربان فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ثم دخل أبو بكر، والنبي صلي الله عليه وسلم متغش بثوبه، فانتهرني وقال: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا.
فأبو بكر نهاهن لِما تقرر عنده من أن الأصل في المزامير والمعازف التحريم، فأوضح له النبي صلي الله عليه وسلم الحال، وعرفه الحكم مقروناً ببيان العلة، وذلك بكون اليوم عيداً، فلا ينكر فيه ذلك كما لا ينكر في الأعراس. [انظر فتح الباري 2/ 513]
3 - ذهب بعض العلماء إلى جواز ضرب الدف عند قدوم الغائب: استدلالاً بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه – الذي أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان – ومنه: أن أمة سوداء أتت رسول الله صلي الله عليه وسلم ورجع من بعض مغازيه، فقالت: إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب عند بالدف،فقال: إن كنت نذرتِ فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي، فضربت " الحديث.
ويدل على أن الأصل في ضرب الدف التحريم إلا في هذه المواضع:
ما رواه النسائي والحاكم وابن أبي شيبة والبيهقي – بإسناد صحيح – عن عامر بن سعد البجلي قال: دخلت على قرضة بن كعب وأبي مسعود – وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – وجوار يضربن الدف ويغنين.
فقلت: تقرون على هذا وانتم أصحاب محمد صلي الله عليه وسلم؟!
قالوا: إنه قدر خص لنا في العرس.
قال ابن رجب: بعد أن ساق هذا الأثر: والرخصة في اللهو عند العرس تدل على النهي عنه في غير العرس. 1. هـ[نزهة الأسماع 39].
ومثل العرس، ما دل الدليل على خروجه عن هذا الأصل كالعيد، وعند قدوم الغائب إن قيل بصحة الحديث فيه.
لكن ينبغي أن يُتفطن إلى أن الرخصة لا تتعدى النساء إلى الرجال، بل الرجال باقون على أصل المنع، لعدم ورود الدليل الذي يستثنيهم من أصل التحريم.
لذا قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله –: ولما كان الضرب بالدف، والتصفيق بالكف من عمل النساء،كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخانيثاً، وهذا مشهور من كلامهم.ا. هـ[الفتاوى 11/ 565].
المبحث الرابع:
الأدلة التي استدل بها من قال بجواز المعازف من المتأخرين والرد عليهم.
لعل القارئ يستغرب هذا المبحث بعد ذكر إجماع السلف على تحريم المعازف وقد يظن البعض بسبب ذلك أن ما ذكر من الإجماع غير صحيح بسبب مخالفة مثل هؤلاء.
والجواب: أن المخالفة للإجماع إنما جاءت بعد انعقاد الإجماع، ومثل هذه المخالفة أياً كانت ومن أي أحد كانت، فلا يعتد بها إطلاقاً، كما سيأتي إن شاء الله.
ولنذكر الآن بعض أدلتهم مع الجواب عنها مراعياً الاختصار في ذلك:
1 - استدل بعضهم بما مر معنا من ضرب الدف في العرس والعيد وعند قدوم الغائب.
¥