تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نقول هذا لأنَّ هنالك الكثير ممَّن يستهويهم الفكر الفسلفي والقراءة في الكتب الفكرية الغربية، والاطلاع على فكر المدرسة الفرنكوفونية، والوله بالمصطلحات الفلسفيَّة، فهؤلاء في الغالب يبعدون النجعة كثيراً عن مطالعة كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقد يقول بعض الناس إنَّ هذا اتَّهام في غير محلَّه وكيف نبتعد عن الآيات القرآنية؟ ونحن نقرأها ونتعبَّد الله بها؟

إلاَّ أنَّ الشاهد يوضح أنَّ كثيراً ممن انتسبوا للفكر والفلسفة، نجد لديهم لوثة غربيَّة وقراءات فلسفيَّة في كتب الغربيين، مع أنَّهم قد لا يعقلون كثيراً مما جاء فيها، وقد يلوكون بعض العبارات ظناً أنَّهم فقهوها، وهم في المقابل لا يحسنون فهم آيات القرآن الكريم، بل يدخل بعضهم في قوله تعالى: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون) أي لا يعلمون الكتاب إلا كلمات يحفظونها ويدرسونها.

فضلاً عن أن يكون قد دخل كثير منهم في قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) فهجروا قراءته وتدبره وسماعه وتلاوته والعمل به والتحاكم إليه والاستدلال به، وهم بالفعل لو كان لديهم نهم وشغف بمعرفة أقوى الكلمات ذات الدلالات العميقة فإنَّهم لن يجدوها إلاَّ في كتاب الله، ولكنَّ كتاب الله عزَّ وجل لن يعطي للإنسان أسراره ومعانيه إلاَّ إذا أعطى المرء من نفسه لكتاب الله الشيء الكبير، والوقت الكثير من التأمُّل والتدبر، فتنهمر عليه الكنوز القرآنيَّة، والبدائع العرفانيَّة، وينطق لسانه بالحكمة.

لقد ذكر المؤرخون لسيرة المفكر الشاعر الباكستاني المسلم محمد إقبال، أنَّه دخل على ولده ذات مرَّة وهو يقرأ القرآن فقال له إقبال ناصحاً: أي بني! اقرأ القرآن وكأنَّه عليك أُنزِل.

وقد صدق رحمه الله، فإنَّ القرآن تنهمر أسراره وتنفلق وتظهر معانيه وتنطق، لمن قرأه وهو يستشعر بالفعل أنَّ هذه الآيات تخاطبه وتتحدَّث إليه، لكي يقوم بالفعل بأدائها حق أداء، والتفكر في معانيها الباهرة، التي تستعلي على أقول وقيم الشرق والغرب، وصدق الله: (وإنَّ كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون).

إنَّها دعوة للمراجعة الجادة القلبيَّة لجميع المنتسبين للفكر والفلسفة، بأن يبحثوا في سويداء قلوبهم، وهل لديهم شدَّة تعلُّق بآيات القرآن وما صحَّ من أحاديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أم لا؟

إنَّني على قناعة بأنَّ من تابع كتب ومقالات ومحاضرات فلان أو علان وهو يتحدث بفلسفة ويلوك الكلام لوكاً، فإنَّه ستظهر معه نقولاته لآراء الفلاسفة والغربيين ويدع جانباً الاستناد والاستشهاد بالآيات والأحاديث لمقولاته، فالاهتمام لأي شيء يظهر من خلال تعامل الشخص معه.

قال ابن تيمية رحمه الله: (تجد مَن أَكْثَرَ من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه؛ تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها؛ لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم؛ لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام، ونظير هذا كثير) [7].

وهذه مشكلة أخرى نجدها عن بعض المنتسبين للفكر الإسلامي من دهاقنة الفكر ورموزه في هذا الزمان، فقد يتطرق بعض المهتمين بالفكر بذكر بعض الجوانب الأخلاقية والسياسية والإنسانية والاجتماعية وغيرها في مقالاته وكتاباته وكتبه، وقد يذكر عشرات الأقوال من المفكرين الغربيين واليونانيين وغيرهم، ونجد من الضآلة بمكان أن يتذكر آية أو حديثاً يذكره في ثنايا بحثه و كتبه ومقاله، ولولا أنني لا أريد التسمية لسميت عدداً من هؤلاء يتقنون فنون ذكر أقوال الكفرة والملحدين من المحسوبين على الفلسفة والمنطق الكلامي، وقلَّما يذكرون آيات من كتاب الله أو سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بدعوى أنّ الآية حمَّالة أوجه، وأنَّ الحديث قد يكون ضعيفاً!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير