تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيا سبحان الله! إن كانت الآيات حمَّالة أوجه والأحاديث قد تكون ضعيفة أو خبر آحاد (كما يزعم بعضهم) فلم الاستشهاد الكبير والغوص والتنقيب عن أقوال عدد من الكتاب والمفكرين اليونان، ورموز المدارس الكلامية والليبرالية الغربية، واستخراجها ومحاولة بعثها من جديد؟! أم أنَّ كلامهم ليس حمَّالاً لأوجه؟! وأقوالهم ليست إلاَّ من قبيل آحادهم وأفرادهم والتي قد يصيبون فيها ويخطئون!

ومن العجائب والغرائب كذلك أن نجدهم يقولون إنَّ ذكرنا لكلام هؤلاء الغربيين والفلاسفة اليونانيين وغيرهم، لكي يعرف الغربيون أنَّنا نعرف واقعهم، ونتحدث بلغة مفكِّريهم، وما علموا وللأسف الشديد أنَّ كثيراً منهم ـ ولا أقول الكل ـ قد يستخدم أقوال هؤلاء بما قد يستدل به على مفهوم فهمه يكون خاطئاً أو معارضاً لكتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولأجل ذلك وجدنا الكثير من العبارات التي يقولها بعض الناس وما دروا خطورة قولها مع علمي أنَّ بعض من قالها من بعض الفضلاء ولكنَّهم يقولون كلاماً يحتاج لإعادة نظر حينما يتحدثون عن (ديموقراطية الإسلام، ليبراليَّة الإسلامية، اشتراكية الإسلام، الرومانسية الإسلامية) والإشكال الكبير أنَّ كثيراً من منطلقات هؤلاء بالفعل يرونها منطلقات إسلاميَّة ولكنَّهم ما علموا أنَّ هذه العبارات ما هي إلاَّ بعض مما تسلَّق على ذاكرتهم أثناء قراءتهم في أفكار الآخرين!

بل وجدنا واحداً ممن يعتبرون أنفسهم من تيار التنوير الإسلامي، يقول في مقال له بعنوان: (وثنيون هم عبدة النصوص) ويزري على الناس وبعض المهتمين بالمجالات الكتابية والذين يقولون ليتنا نرى في بعض مقالات بعض المفكِّرين نصوصاً قرآنية أو أحاديث نبويَّة مذكورة في مقالاتهم، وبدلاً من أن يشكرهم على نصيحتهم له، يعدُّهم كالوثنيين الذين يعبدون القبور ويشركون بالله، فيتهمهم ويصمهم بأنَّهم وثنيون لأنَّهم على حد زعمه: (عبدة نصوص)!!

وهذا أحدهم يتحدث بأسلوب ملتوٍ، يريد منه النيل ممَّن يستند لقراءة النصوص القرآنية، حيث يقول: (فالأمرُ هنا هو السير في الأرض , وليس السير في الكتاب , أي قراءة الواقع , وليس قراءة النصوص , والظن بأنَّ الاستغناء بالكتاب عن الواقع هو الذي قاد العالم الإسلامي إلى كارثة ثقافية مروعة) [8].

قلت: هذا وليس من مقصدي في هذا المقال إيعاب القول وحشد جميع ما قرأته في هذا الصدد فلو أردت جمع ما قيل لوجدته أكثر من (حِملُ بعير وأنا به زعيم)، ولكنَّ هذا دليل ومثال على أنَّ من تربَّى في جو مفعم بالفكر والفلسفة والصحافة والإعلام و (احترام الرأي والرأي الآخر) فإنَّ هذا سينشأ معه ولو كان في يوم ما مفكراً كبيراً أو فطحلاً بطلاً من أبطال الفكر في هذا الزمان ..

إنَّ المتعاملين مع القرآن أصناف ونحن نقصد بالتعامل الصحيح هو ما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان في التقيد والانضباط بالأصول الكلية التي يرجع إليها لفهم آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وإلاَّ فهنالك قوم يدَّعون أنَّهم (قرآنيون) مع أنهم في حقيقة أمرهم يخالفون القرآن الكريم فيما أمر به ونهى عنه، فما هم إلا (جهال متنطعون) لم يفهموا القرآن والسنة مع مجاهرتهم بضرورة الرجوع للقرآن، فهذا أمر لا يروج على العقلاء ولا يقصده الناصحون لأمتهم والأمناء على عقيدتها.

ولقد قال معاذ بن جبل: (يقرأ القرآن رجلان: فرجل له فيه هوى ونية يفليه فلي الرأس، يلتمس أن يجد فيه أمرًا يخرج به على الناس، أولئك شرار أمتهم، أولئك يعمي الله عليهم سبل الهدى. ورجل يقرؤه ليس فيه هوى ولا نية يفليه فلي الرأس فما تبين له منه عمل به، وما اشتبه عليه وكله إلى الله، ليتفقهن فيه فقهًا ما فقهه قوم قط، حتى لو أن أحدهم مكث عشرين سنة، فليبعثن الله له من يبين له الآية التي أشكلت عليه، أو يفهمه إياها من قبل نفسه) [9].

الشاهد أنَّ معرفة المرء بطريقة التعامل مع نصوص الوحي كتاباً وسنَّة تقيه بإذن الله عزَّ وجل من الانحراف الفكري، والتخبط العقلي، ولتكون نصوص الوحي منطلقاً وركيزة متينة لمناقشة الوقائع والحوادث المعاصرة، واستنباط ما يفيد لمعالجتها من كتاب الله وسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وفق القواعد الشرعية والأصول الكبرى لفهم نصوص الوحيين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير