وهذا الكلام فيه نظر: فليس في هذا الحديث ما يدل على الحث على سماع الصوت الندي كما ذكر، بل غاية ما فيه: أن تحسين الصوت بالأذان مقصود، وأنه يشرع اتخاذ المؤذن المتصف بحسن الصوت.
الوقفة الخامسة: قال كتاب الرسالة: ((وإنما عاب الله تعالى نكارة صوت الحمير، {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}، ومن المثير للتأمل أن الإشارة إلى نكارة صوت الحمار جاء في نفس السورة التي يَسْتَلُّ منها المحرمون للغناء دليل تحريمه! ومن غير المعقول أن يطلب الله من الإنسان بعد أن أودع فيه هذه العاطفة نزعها أو إماتتها من أصلها)).
هذا الكلام فيه نظر من جهة الأسلوب والمعنى: أما من جهة الأسلوب فلأنه قال: عاب الله نكارة صوت الحمير على أن هذا هو مدلول الآية، والصحيح أن يقال: عاب الله صوت الحمير إذ وصف صوتها بأنه أنكر الأصوات، وعيبه سبحانه مستفاد من إقراره للعبد الصالح لقمان، وأما من جهة المعنى: فلأنه ليس في الآية ما يثير التأمل على الوجه الذي ذكر الكاتب، فالله سبحانه لم يقل ليس من الأصوات ما ينكر إلا الحمير حتى يعتمد عليها في هذا الموطن، وإنما أخبر أنه أنكرها، فقد يكون ثمة ما ينكر غيره، والأمر كذلك، ثم إن قوله تعالى: (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) تعليل لقوله: (واغضض من صوتك)، ويؤخذ من هذا أن نكارة صوت الحمير حاصلة من جهة منافاتها لغض الصوت أي خفضه، ومن الغناء ما هو على هذا الوصف.
ثم إن كلامه يوهم بأن من قال بالتحريم (أي تحريم الغناء المصحوب بالمعازف) إنما يستدل فقط بدليل واحد مذكور في هذه السورة، وليس الأمر كذلك على ما سوف يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الوقفة السادسة: قال كتاب الرسالة: ((وقد ذكر الأطباء منذ القدم أن الصوت الحسن يجري في الجسم مجرى الدم في العروق فيصفو له الدم وتنمو له النفس ... )).
هذا الكلام فيه نظر من جهتين:
الجهة الأولى: خطأ منهجي في الكتابة: فإنه من غير المناسب ذكر مثل هذا الكلام في رسالة قصيرة لا تتجاوز عشرة صفحات مقصودها وما ينادي به عنوانها إثبات الحل للغناء مطلقا.
الجهة الثانية: أن الصوت الحسن قد يؤدي إلى نقيض ما ذكر الكاتب، فقد يجلب الهم، ويشرد الذهن، ويضعف الهمة ... إلخ، ولا سيما إذا كان مصحوباً بالمعازف، وشواهدُ الواقع قاضية بذلك.
الوقفة السابعة: قال كاتب الرسالة: ((وقد صح عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: الغناء من زاد الراكب، وكان له مغني اسمه خوات ربما غنى له في سفره حتى يطلع السحر)).
هذا الكلام فيه نظر:
الأثر الأول ضعيف، أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده: أسامة بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، ضعفه يحي بن معين وأحمد والنسائي وجماعة، وضعفه حاصل من جهة سوء حفظه، والقاعدة في الأصول: [أن سوء حفظ الراوي يقتضي رد خبره].
وأما الأثر الثاني: فهو ضعيف أيضا، أخرجه البيهقي عن خوات بن جبير رضي الله عنه، وفي إسناده: قيس بن أبي حذيفة مجهول، والقاعدة في الأصول: [أن جهالة الراوي تقتضي رد خبره]، وفي إسناده فليح بن أبي سليمان سيء الحفظ، والقاعدة في الأصول: [أن سوء حفظ الراوي يقتضي رد خبره].
وليس في الأثر أن خواتاً كان مغنياً، بل غاية ما فيه أنهم طلبوا ذلك منه، ولا تلازم بين الأمرين.
ثم إن كل ما ثبت عن الصحابة في الغناء فالمراد به النشيد والحداء، وهذا جائز كما تقدمت الإشارة إليه، ولا يصح سحبه على كل غناء، لأنها من الأفعال، والقاعدة في الأصول: [أن الفعل لا عموم له].
الوقفة الثامنة: قال كاتب الرسالة: ((ومن أكبر دلائل إباحته أنه مما كان يفعل إبان نزول القرآن، وتحت سمع وبصر الحبيب صلى الله عليه وسلم، فأقره، وأمر به، وسمعه، وحث عليه، في الأعراس، وفي الأعياد)).
وفي هذا الكلام نظر:
1/ لم يبين المعنى المراد بالغناء.
2/لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر الغناء المصحوب بالمعازف.
3/ ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقر الغناء من غير معازف أي النشيد.
4/ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالغناء مطلقاً.
5/ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع غناءً مصحوباً بمعازف.
6/لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على الغناء في الأعراس.
¥