7/ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حث على الغناء في الأعياد، بل غاية ما في الأمر أنه أقرهم عليه، وفرق بين الإقرار والحث، فمقتضى الحث أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ فهو مثاب، ومعنى الإقرار أن من فعله فلا إثم عليه.
الوقفة التاسعة: قال كاتب الرسالة: ((ومن دلائل إباحته أيضا أنك لن تجد في كتب الإسلام ومراجعه نصا بذلك، فلو قرأت الكتب الستة لن تجد فيها باب تحريم الغناء، أو كراهة الغناء، أو حكم الغناء، وإنما يذكره الفقهاء تبعا للحديث في أحكام النكاح وما يشرع فيه)).
هذا الكلام فيه نظر من جهة أن الحجة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا في تراجم المحدثين، وجعل هذه التراجم حاكمة على النصوص الواردة في الباب ضرب من التقليد الذي حذر منه وأعلن النكير على أربابه، ثم ما هو الفرق عندك بين تراجم المحدثين وبين كلام الفقهاء؟!، كلاهما قول صادر من غير معصوم فيطلب له الدليل، ولا يجعل دليلاً.
الوقفة العاشرة: قال كاتب الرسالة: ((وهكذا جاء الحديث عنه في أحكام العيدين وما يسن فيهما، ولهذا بوب البخاري رحمه الله تعالى: باب سنة العيدين لأهل الإسلام، ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أعني حديث الجاريتين وغنائهما بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي بيته)).
هذا الكلام فيه نظر من جهة أن السنة تطلق ويراد بها الطريقة، أي الجادة المسلوكة، وهذا قدر صادق على الواجب والمندوب (السنة بالاصطلاح الخاص) والمباح، والمراد هنا بالترجمة أن هذا - أي الغناء من غير معازف - من الجائز المباح.
الوقفة الحادية عشر: قال كاتب الرسالة: ((وكل ما أراد أن يوسع للناس ويترك لهم المجال ليفهموا من نصوص كتابه، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم جاء بنص محتمل لقولين أو أكثر ... واختلفوا في كل تفصيلاتها تقريبا، فاختلفوا في تكبيرة الإحرام حتى التسليم، ... حتى إنهم اختلفوا في النطق بالشهادتين! وليس هذا إلا من توسعة الله تعالى على عباده)).
هذا الكلام فيه نظر من وجوه:
1/ أن دلالة النصوص على الأحكام دلالة واضحة، بمعنى أنها كافية في الإفهام الصحيح، ومؤدية لغرض البيان، وهي متفاوتة، منها ما لا احتمال فيه، وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالنص، ومنها ما فيه احتمال مرجوح، وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالظاهر، وأما ما فيه احتمال مساو، وهو ما يسمى بالمجمل فلا وجود له في مجموع النصوص، بمعنى أنه قد يوجد في نص، لكن يرد نص آخر يوضحه ويبينه، وهو أمر فيه شيء من النسبية، وذلك بسبب اختلاف الفهوم، وتفاوت العلوم.
إذا تقرر هذا فالاحتمال الموجود ليس على التساوي على ما يوهم كلام الكاتب، بل الاحتمال راجح ومرجوح، والعمل بالراجح واجب لا راجح.
2/وجود المآخذ اللطيفة في تضاعيف نصوص الشريعة أمر لا ينكر، وقد تلمس علماء الأصول الحكمة من ذلك فقالوا: ليستفرغ المجتهد وسعه في درك الحكم الشرعي فيعظم أجره، ويمكن أن يضاف وجه آخر لعله يكون مقصوداً، وهو الامتحان والابتلاء فإن المسائل الخالية من الدليل القاطع قد يتساهل بعض الناس في امتثالها.
وأنا لا أنكر بأن العامي من أهل الفهم، لكن ليس له أن يتفهم النصوص كيفما اتفق من غير ضوابط، وعليه أن يراجع العلماء فيما يشكل، وظاهر كلام الكاتب يوهم خلاف ذلك.
3/القول بأن الخلاف وقع في كل تفاصيل الصلاة كلام غير مقبول، أين اتفاقهم على وجوب الركوع والسجود والترتيب بين الأركان ... إلخ؟!.
4/قوله بأن الخلاف يقتضي التوسيع على العباد يوهم القول بجواز التخيير بين الأقوال، وهذا كلام باطل؛ إذ الخلاف حصل بعد الشرع، وما كان كذلك فلا يصلح أن يكون دليلا، ومن المعلوم المتقرر أن الحق في مسائل الخلاف واحد قال تعالى: ((فما ذا بعد الحق إلا الضلال))، وفي الصحيحين عن عمر بن العاص رضي الله عنه مرفوعا: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد))، وطلب الحق واجب.
¥