تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال أبو عبدالرحمن: أثار شجوني هذه المقرئُ ذو الصوت الجميل عادل الكلباني الذي أفتى بحل الغناء بإطلاق، وكنت عظيم الخشية وكثيراً ما تماطرت دموعي لسماعي إحدى تلاواته لسورة يوسف، وهو - حفظه الله - مصرحٌ بأنه لا يسمع الغناء، ولكنه أباحه بإطلاق؛ لأنه مقتنع بأدلة التحليل من الشرع على الإطلاق، ولست أدري لماذا تأخرت فتوى حبيبنا إلى هذا الوقت، فلعلَّ التجاذب الروحي بينه وبين حبيب الجميع فضيلة الشيخ الدكتور عايض القرني أوحى له بالاهتمام بهذه المسألة بحثاً وفتوى؛ لأن قصيدة الدكتور عايض غُنيت برضاه .. على أنني عارضته هاتفياً، ودفعني الحب الأخوي المكين إلى الحماس في النبرة، ولو غُنِّيت هذه القصيدة بغير علمه، ولو غناها مثل محمد عبدالوهاب أو رياض السنباطي لأوحيتُ له بعذر أتحمَّل بعض وِزْره وهو: (لم آمر بها ولم تسؤني)؛ فكيف والمطرب صوت (الله يديم الفضل والنعمة؟) .. ولست أدري لماذا تأخرت هذه الفتوى عن الوقت الذي أُهين فيه الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - في السعودية كثيراً لأسباب منها إباحته الغناء، وكان يومها قد انشق عن حزب الإخوان؟.

قال أبو عبدالرحمن: مارستُ الغناء استماعاً لا سماعاً حقبة ليست بقليلة من عمري، وأصحاب هذه الممارسة يُسَمِّيهم أخوال بعض أولادي: (الصُّيَّع الضُّيَّع)، ولكنني تفاديت ذلك بأن يكون استماعي في سويعات ليست مهيأة لقراءة أو كتابة أو عبادة، وأكثر ما يكون ذلك مع بعض السامرين، أو في بعض الردهات، أو بالاستماع من الراديو، ولا أُضَيِّع عزائمي الدنيوية والشرعية بالانمياع مع الغناء؛ وإنما آخذ منه مقدار ما أنشط للعمل الجاد، وعندما أنشب في كتابة بحث وأحس بخمول أستمع إلى التسجيل بصوت خافت .. وهناك سويعات صرفتها للغناء مستمعاً ودارساً وملتقطاً ما يُفاد منه للجماليات ولا سيما العَروض، وذلك عندما كنت مراقباً في التلفاز، وفي إجازاتي التي أمضيتها بكفر أبو صير .. وكنت محتفياً بأجمل الجميل مما يؤدِّيه أساطين الطرب العربي الأصيل منذ جيل الطرب الشرقي إلى جيل عبدالوهاب ورياض .. ومع انهماكي في الاستماع بالطرب فلو خلصتْ تلك الحقبة لهذا لكنت في ترح ما بعده ترح، ولكنني أتحيَّف من تلك الحقبة أُويقات لتزكية الروح والقلب مع جدٍّ في البحث والكتابة والقراءة لم يمنع منه استماعي الغناء .. وما كان هذا في بداية الأمر اختياراً مني، ولكنني تورطتُ معرفةً باستدلالات الإمام ابن حزم على إباحة الغناء مع تصريحه بأن ترك سماعه أفضل، وتورطتُ ممارسةً بمجالسة الظرفاء .. وعندما اتبعتُ الإمام ابن حزم، رحمه الله تعالى، وكنت في حيوية الشباب ومنتهى الحماس للإعجاب بالإمام ابن حزم رحمه الله تعالى - ولا يزال إعجابي باقياً -: أخذتُ قوله تقليداً، ولخصت في كتابي (تحرير بعض المسائل على مذهب الأصحاب) ما كنت أزعمه من أن النصوص الشرعية في الغناء:

1 ـ إما قطعية الدلالة والثبوت على التحريم، وأن هذا لا يُوجد، وإما نصوص قطعية الدلالة والثبوت على التحليل، وأن هذا وُجِد.

2 ـ وإما نصوص قطعية الدلالة على التحريم غير قطعية الثبوت وهذه لا يُعتدُّ بها إذا عورضت بما هو أثبت، وضربت أمثلة بالأحاديث الضعيفة الواردة في ذلك.

3 ـ وإما نصوص قطعية الثبوت غير قطعية الدلالة على التحريم، وزعمت أن من هذا الباب قوله تعالى: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ? [سورة لقمان/6]، وزعمت أن الغناء ليس حديثاً، وزعمت أن لهو الحديث أعم من الغناء كالتشبيب بالمساتير.

4 - وإما نصوص قطعية الثبوت غير قطعية الدلالة على التحليل، ولم أذكر أمثلة؛ لأن المثال الافتراضي جائز هنا كما أن القسم الافتراضي جائز في حَصْر القِسْمة فالأمثلة والتقسيمات تحتمل الفرضيَّات .. ثم ذكرت فيما بعد حديث المعارف الذي أعله الإمام ابن حزم - رحمه الله تعالى - بالانقطاع؛ فرأيت أنه صحيح الثبوت غير قطعي الدلالة؛ لأن الوعيد في هذا الحديث ليس على الغناء والمعازف وحدهما بل في السياق ما هو محرم بتعيين كالزنا والخمر.

5 - وإما نصوص غير قطعية الدلالة وغير قطعية الثبوت؛ فهذه لا يُعتدُّ بها وإن لم أذكر لها أمثلة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير