ومن أقرب ما أُلِّف في هذا بيان حرمة الغناء وآلاته: كتاب "فصل الخطاب، في الردِّ على أبي تراب" للشيخ العلامة حموُّد بن عبدالله التويجري - رحمه الله تعالى - والذي قدَّم له سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن الباز رحمه الله؛ فإنه كافٍ وافٍ شافٍ في سرد الأدلة على حرمة الغناء وآلاته، وبيان وجه الدلالة منها، وتفنيد كلِّ شبهةٍ أدلى بها مَن يبيح الغناء وآلاته، وبيان أن القول بحرمة الغناء وآلاته هو قول جمهور فقهاء المِلَّة، وهو الذي عليه صالحوا عامَّه الأمَّة، وأنه لم يخالفهم في ذلك مَن يَعْتَدُّ المحقِّقون من علماء الأمة برأية، إما لمعرفتهم بجهله، أو لاتِّهامهم له بنفاقٍ أو هوًى قد أضلَّه.
والخير كلُّه في اتِّباع السَّلف الصالحين، من الصحابة والتابعين، وتابعيهم، وأئمة الهدى وخيار المسلمين، قال تعالى: ? وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ?؛ فمَن أحبَّ أن يجمعهم الله بهم فليتَّبعهم بإحسان، ولا يقدح فيهم، ولا يَرُدَّ ما اتَّفقوا عليه من الحقِّ.
وبناءًا على ما سبق؛ فإن المقالة التي شاعت في هذه الأيام متضمنةً إباحة الغناء وآلاته - وكذلك ما قد يُنشر في معناها- فهي مقالة شاذَّة مردودة من وجوه:
الأول: مخالفتها لنصوص الكتاب والسنَّة الواردة بشأن النهي عن اللغو واللهو وشهود الزور، ونحو ذلك من الباطل الذي الغناء وآلاته من بعض أفراده، التي فسرها الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعون - رحمهم الله – به، وقد قال تعالى: ? فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ?.
الثاني: مخالفتها لما أَطْبَقَ عليه جمهور علماء الأمَّة من لدن الصحابة والتابعين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى هذا الحين، من تحريم الغناء وآلاته.
فمقتضى هذه المقالة: أن هؤلاء الأئمة لم يفهموا النصوص، أو حمَّلوها ما لا تحتمل أوانهم، قائلون على الله بغير علم، وقد قال تعالى: ? وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ?، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ضَلَّ قومٌ بعد هدًى كانوا عليه؛ إلا أوتو الجدل في الدِّين)).
عليه؛ فلا يُستغرب الإصرار على الرأي الشاذِّ، والردَّ على مَن خالَفه، ولو كان جمهور علماء الأمَّة من الصحابة فَمَن بعدهم.
الثالث: مناصرةُ مضمونها لأهل الفِسق والفجور والنِّفاق والهوى، وتطمينهم على ما كانوا عليه من الفِسق والضَّلال، وتأمينهم من وعيد الله للعُصاة بالعقوبة على معاصيهم وفجورهم، وقد قال تعالى في التنزيل الحكيم، على لسان موسى - عليه السلام -: ? قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ?، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((لعن الله من أوى مُحدثا))، أي: مَن نصر عاصيًا أو دافع عن معصية.
الرابع: أن قائل تلك المقالة يعلم هو وغيره أنه ليس معدودًا من أهل الاجتهاد والفتوى الذين يُعْتَدُّ برأيهم ويُصْدَر عنهم، ولاسيما في مقالةٍ خالف قائلها جمهور علماء وصالحي الأمَّة، وفتح بها على الناس باب شرٍّ وفتنة وشماتة.
الخامس: أنه لم يسبقه إلى ما أباحه من الغناء والمزامير وآلاته إلا من شَذَّ رأيُه، أو ضَعُفَ دليلُه أو عَقلُه، أو ساء فَهمُه للأدلَّة، أو نُسِبَ إلى هوى، أو رُمِيَ ببدعة، أو اشتُهر بشذوذٍ أو فِسقٍ، أو شخص لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، وإلا فإن نصوص الكتاب والسُّنة معصومةٌ من أن تَدُلَّ على إباحة الغناء وآلاته، الذّيْن هما من الباطل.
¥