أبداً، هذه قراءة للواقع الذي نعيش، هل يستطيع أحد أن ينكر أن الحجاب شريعة الله في دينهم؟ أو يتنكر للكم الهائل من النصوص التي تحث على الحجاب في كتابهم وكتابات آبائهم؟! وواقعهم هم قبل ظهور العلمانية؟؟
هل يستطيع أحد أن يتحدث أن الأمة الإسلامية كانت تعرف التبرج والسفور بشكله الحالي قبل أن يعالجها هؤلاء؟!
** لم تصر على التأكيد على أن سبب المشكلة هو الآخر؟؟ نحن الآن لا نرى الآخر تقريباً إلا في المؤتمرات الدولية، وقضايا المرأة كلها حراك داخلي؟
دعني أقرأ عليك كلمة للأستاذ أنور الجندي، يقول في كتابه (شهادة على العصر والتاريخ) ص 23: "إن أخطر ما يحاول التغريب إقراره في الشعور الإسلامي هو الانعزال عن النظر في خلفيات الأمور، فهو يستهدف تضييق دائرة الفكر وقصر النظر دون معرفة البواعث، وقد تبين أن من خلف المخططات التي نواجه قوى وتنظيمات يجب كشفها ودحض شبهاتها".
هذا هو. القضية ليست إسلامية، بل ولا تعرفها البشرية كلها قبل ذلك، والآن يراد أن تكون أصلاً وغيرها (الحجاب بمعناه العام) طارئ أو استثناء. ودخلنا في حصر وهمي. الكافر بدأ، ونقل عنه مرضى النفوس من المنافقين، وجاء الغافلون فتفاعلوا مع القضية.
فمعرفة منشأ القضايا مهم جداً. والخروج من الحصر الوهمي مهم أيضاً.
والأمر ينسحب على الأدب، يقال الأدب للأدب، وينسحب على الفن، يقال الفن للفن. وكلها محاولات لإبعادنا عن مهمتنا الأصلية (عبادة الله وتعبد الناس لله)، فما كان الأدب يوماً للأدب، ولا كان الفن للفن أبداً، كلها وسائل لتمرير القضايا والمفاهيم، أو ينبغي أن يكون صاحب الأدب والفنون صاحب قضية يدعو لها ويدافع عنها. فقد أمرنا بعبادة الله وتعبيد الناس لله، فلا يمكن تعاطي شيء خارج مفهوم العبادة.
** لكن: الآخر علماني وليس نصراني الآن؟!!
العلمانيون أفادوا من المستشرقين (والاستشراق بدأ في أحضان الكنيسة)، وتعرف هذا من مراجعة تاريخ الاستشراق، وتعرفه من مطالعة تراجم المستشرقين، وقد جمع الدكتور عبد الرحمن بدوي عدداً غير قليلٍ منهم في موسوعته، فكانوا كالرسل لهم لمعرفة أحوال البلاد الإسلامية، وأفادوا منهم في تغيير هوية المجتمعات الإسلامية ليبقى الاحتلال أطول فترة ممكنة، أو لتبقى الدول الإسلامية مشغولة بشيء آخر غير ما أخرجت له ـ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ، فكان هناك اتحاد في الغاية، وهو إبعاد المسلمين عن غايتهم الرئيسية (عبادة الله وتعبيد الناس لله)، ولذا انتشرت مدارس الإرساليات التنصيرية في ظل الاستعمار، وفي ظل سيطرة العلمانيين من العرب على البلاد الإسلامية.
والتنصير موجود الآن، وقد اتخذ في الآونة الأخيرة بعداً فكرياً، أو ظهر بعده الفكري بشكل سافر بعد انتشار الفضائيات، وفي أطروحاتهم يهاجم وضع المرأة في الشريعة الإسلامية، ويتبنى وجهة النظر العلمانية؛ بهدف دفعنا لتقبلها، أو تنفير الناس عنا، فليس بصحيح أن الآخر علماني تماماً.
**لماذا لم أخذت قضية المرأة كل هذا الحجم؟
لطبيعة الدور الذي تؤديه المرأة، وطبيعة القضايا التي تتعلق بالمرأة.
المرأة تقوم عليها الأسرة، هي مَن تباشر تربية للأطفال، وهي سكن الزوج. معها استقرار الأسرة. واستقرار الأسرة استقرار المجتمع ككل.
والمرأة غير المنضبطة حين تخالط الرجال يحدث فساد لا يحتاج للتنبيه عليه.
ويحتل ما يطرح تحت مسمى (قضايا المرأة) مساحة أكبر لتعلقه بهوية الأمة، فالمرأة على الوجه الذي يريدونه تعني تغيير شامل للمجتمع، وهذا ما حصل بالفعل في المجتمعات التي (حررت) المرأة.
ولتعلقه بالنص الشرعي مباشرة، فقضايا المرأة تثير جدلية النص، وتثير إعادة قراءة الشريعة الإسلامية من جديد.
** والحل؟
التوصيف الجيد للمشكلة مرحلة أولى لا ينبغي أن نتخطاها وإن طالت.
وعلى التشخيص أن يعتني بمنابع الحراك المضاد، ووسائله، وثماره ثم العمل على بث مفاهيم صحيحة عن المرأة المسلمة، وعن الفاعلين في تغيير هوية المرأة المسلمة.
وهذا الأمر يحتاج فقط إلى تفعيل، فالمفاهيم الإسلامية الصحيحة منتشرة ولله الحمد، والنماذج الطيبة الطاهرة من النساء كثيرة وأخبارهن منتشرة ولله الحمد، وفشل النماذج السيئة في المجتمعات التي دخلتها أخبارها منتشرة ولله الحمد. فقط يحتاج الأمر إلى مزيدٍ من العرض على الناس، وخاصة جيل الشباب.
الخروج من دائرة الحصر الوهمي التي دخلنا فيها، والعمل على إخراج القضية إلى مكانها الأصلي، وهي أنها حرب على الشريعة من الكافرين والمنافقين وليست أبداً مسألة خلاف داخلي.
تفعيل دور المرأة، جيد، ويجب أن تتحدث المرأة وتعبر عن نفسها. لكن لا ينبغي أن يكون ذلك في اتجاه إحلالها محل مجتمع الرجال، المرأة كيان مستقل له خصائصه المختلفة عن الرجل، ويصلح لشيء لا يصلح له الرجل، ولابد أن يؤخذ هذا في الحسبان.
أبو جلال / محمد جلال القصاص
حواره / أسامة الهتيمي.
¥