تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حتى لو خالف الإجماع؛ لأنه لا يوجد أحد لا يخطئ وهذا النوع في الغالب يكون متأولاً، لكن يبين له الحق؛ فالحجر على من تتوافر فيه شروط الفتوى، لا يحق لأحد فعله، إلا في حالات نادرة، وبشكل جزئي في القضايا العامة، وذلك إذا اتفق ولاة الأمر (من العلماء والأمراء) على منع أحد من الفتوى في بعض القضايا التي قد تكون لهم فيها آراء شاذة، أو آراء تسبب فتنة ومشكلات في المجتمع مثلاً، فهنا يكون له وجه شرعي بالقيود المذكورة إذا بينت المسوغات الشرعية في ذلك بياناً واضحاً. وهذا يشبه ما يعرف في القانون بتجاوز النظام العام.

- هناك دعوات الآن بالحجر على بعض المفتين الجدد؟

في ظني أن هذه ليست كلها دعوات للحجر، بل في أكثرها دعوات لإيقاف من ليس أهلاً للفتيا عن تولي هذه الولاية، وهم يقولون تجاوزاً إذا جاز الحجر على المفتي الماجن فمن باب أولى أن يحجر على شخص ليس أهلاً للفتيا أصلاً، وهو نوع من منعه من استخدام سلطات ليست له سواءً سلطة دينية أو غيرها كما ذكرت لك.

وللأسف هؤلاء اليوم كثيرون، فتجد كاتباً أو كاتبة عرفا بالمقالات السيئة، ومع ذلك تجدهما يصدران فتاوى ويرجحان بين الأقوال! بل وجدنا راقصات يفتين! وممثلين يفتون.

- ألا يتناقض هذا مع مفهوم الحرية في الاسلام؟

كلا؛ فهذا داخل في ضبط الحرية، فلا نأتي بشخص يفتح عيادة وهو ليس بطبيب ونقول نحن نمنعه من ممارسة الطب فنحن نقيد حريته، لا، فالحرية لا تعني التعدي على أمور أخرى صارت تمس بالآخرين سواء كان المس بالدين وأحكامه والتلبيس على الناس، أو كان المس بالأشخاص بغير حق.

- هل في التاريخ الإسلامي والدولة الإسلامية حجر أو منع مفتين من الفتيا بسبب آرائهم الشاذة؟

ورد منع بعض المفتين من إبداء آراء معينة فقط في قضايا عامة، لا في الأحكام عموماً، وحدث هذا حتى في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، لأسباب تعود إلى الحفاظ على النظام العام، ولكن لم تصادر آراؤهم، وإنما توقفوا عن الفتيا بها.

وهذه قضية مهمة، وهي عدم ترويج الآراء التي تحدث قلقاً في المجتمع وتثير فتناً وفوضى، وهكذا كان شأن أهل العلم، يكون للعالم رأي خاص لا يعلنه، ولا يكاد يخلو من ذلك عالم أو طالب علم، لكن حفاظاً على وحدة الأمة والمجتمع وبعداً عن فتنة العامة وتشويش الأمر عليهم تجد العالم أو طالب العلم يحتفظ برأيه دون أن يثير به فتنة وبلبلة. ومن يتذكر عهد الشيخين ابن باز وابن عثيمين- رحمهما الله- يعرف قدر وحدة الأمة والمجتمع، والبعد عن الفتنة بعرض الآراء الخاصة.

- المملكة العربية السعودية وقعت على مواثيق دولية تتحدث عن حرية الرأي والتعبير ويجري حديث عن استنكار مبدأ الحجر كون المملكة ملتزمة دولياً بمواثيق تدعو للحريات؟

هناك فرق بين التعبير عن الرأي وبين تصدير الأحكام الشرعية؛ لأن الأحكام الشرعية هي في الحقيقة (قوانين شرعية) وليست آراء، ومن المؤسف أن بعض طلبة العلم يظن أن فتوى المفتي غير ملزمة مطلقاً.

وهذا خطأ، فإن من الفتاوى ما هو ملزم للمستفتي، ومن هنا ندرك خطورة إصدار الفتاوى من غير المؤهلين لها.

وهكذا الشأن في القوانين في كل بلاد العالم تصان عن العبث، وعن شرحها من غير المؤهلين، وعن الفتوى القانونية من غير الجهات المختصة، سواء في القوانين الوطنية أو الدولية؛ وفي الولايات المتحدة لا يمكنك الدعوه للشيوعي؛ لأنه مخالف للنظام العام، بل تصل الجرأة على ذلك إلى درجة الخيانة! إذاً هناك خلط واضح في موضوع الحريات.

- هل هناك مواد معينة تخصص عمل الفتيا في أصحاب الشأن الشرعي والمتخرجين من الكليات الشرعية؟

لدينا ضوابط للفتوى الشرعية وردت في النظام الأساسي للحكم، وهي ضوابط تقتضي توافر الشروط السابقة؛ كما أن لدينا مؤهلات في الوظائف الشرعية تشترط في القضاة، وأخرى في الوعاظ، وأخرى في المرشدين في الحج، وهكذا.

وهي شروط تتطلب العلم الشرعي في هذه المجالات؛ وقد سبق الكلام عن ضابط المفتي؛ فهو يحتاج إلى تأهل للفتيا في الدراسات الشرعية المتخصصة، سواء كانت أكاديمية أو تقليدية، وشرط الفتوى في النظام الأساسي للحكم أن تكون وفق الكتاب والسنة. وهي في القضايا العامة عائدة إلى الجهات الرسمية، حفاظاً على النظام العام والمبادئ الإسلامية في الدولة.

ولدينا جهات مختصة، كاللجنة الدائمة للإفتاء، وهيئة كبار العلماء، إضافة إلى عدد كبير من العلماء المعروفين بالفتوى، والمشهود لهم بالتأهل الشرعي فيها عند الجهات الرسمية إضافة إلى شهادة عموم الأمة لهم بالعلم والتقى، وثقتهم فيما يصدرونه من فتاوى عرف عنها الانضباط العلمي والتوازن الفكري والمعرفة بالواقع، والبعد عن الأغراض الدنيوية.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير