فالأمر الأول: (فعظوهن) قدّم لها المواعظ الجميلة, وذكرها بالله وبأحاديثِ رسول الله تعالى, وبالغ في وعظها, لأنَّ في الوعظِ تأثيراً جاذبياً, وخوفهن من مغبة مخالفة أمر الله وأمر رسول الله, [فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ] [وذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى] [فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ] ثمَّ إن أشعرتها بترهيبٍ من عذابِ الله وعذابه, فإنها سترقُّ بل هيَ أسرعُ إلى البكاءِ من الرجالِ, فاجتهدَ أن ترسمَ الموعظةَ في قلبها ببلاغةٍ وفصاحةٍ, [وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا] وكذا أنتِ أيها الزوجةُ إن وجدت من زوجك ظلماً وتعالياً فذكّريه بحدود الله, وأنه –سبحانه- أقدر على الزوجِ من قدرةِ الزوج على زوجها, فذكّريه بأطيبِ الكلامِ وأحسنِهِ, تذكره بأمه, بأخته, بعمته, فترضى لهم الظلمَ؟ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا. قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لأُمِّك؟ قَالَ: لاَ. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟ قَالَ: لاَ. وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ: لاَ. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِك؟ قَالَ: لاَ. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ. قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لاَ. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ. قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.
فليقلْ من الكلامِ الطيب بانتقاء, البعيد عن الوساوس والهواجز والارتياب, تحظى به مرضاةَ الله عزوجل, فيحصل بذلك الإئتلاف والنفع بإذنِ الله تعالى.
ثمًّ إن الناسَ متفاوتون في غضبهم ورضاهم, فرجلٌ سريع الغضب سريع الرضا, وآخر سريع الغضب وقاف عن الرضا, فلا بدَّ من مراعاةِ أخلاق كل من الزوج لزوجته, فيتفادون أوقاتَ الغضب حتى تزول, كما قال القائل:
خذ العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سوأتي حينَ أغضبُ
وأحسن من ذلك قوله تعالى [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ] فقد نزلتْ في أخلاقِ النَّاس, فإنْ وجد الزوج من زوجته الفورَ والغضب السّريع, فليتقِ غضبها حتى تهدأَ ثمَّ يوجِّهُ العتاب, وإن وجدتِ الزوجةُ من زوجها الغضبَ والفور السريع وانفعالاً فلتسكن حتى تذهب عنه غضبه, -لأنَّ فِي الغضبِ يتصرّف معه الشخص تصرفات همجية لا تليقٌ بالرجلِ المتوسّط فضلاً عن الرشيدِ العاقلِ, فيتصرّف كالمغيّب عن عقلِهِ, لحديث في سندِه كلامٌ: "لا طلاق في إغلاق" وهو الغضب وقيل: الإكراه- ثمَّ توجّه الذكرى النافعة, أما أن يحتدّا ويتحاورانِ فإنَّ الشيطان يزيد بينهما إشعالاً وافتعالاً, فينسى كلٌّ منهما أنهما بشرٌ يعتريهما الخطأ.
وقد علم من الشريعة أنَّ أوقاتِ الخروج عند حدّ الاعتياد تتفادى, فقال –عليه السلام-: لا يقضينَّ حكمٌ بين اثْنينِ وهو غضبان. ثمَّ إنه حصل موقف لم يردَّ النبيُّ فيهِ على عائشة , إذ تقول: لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ صَائِرِ الْبَابِ - شَقِّ الْبَابِ - فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ لَمْ يُطِعْنَهُ فَقَالَ انْهَهُنَّ فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ قَالَ وَاللَّهِ
¥