تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(الْقِحَةُ) داءٌ يصبُّهُ اللهُ على بعضِ عبادهِ , وهذه بعضُ مظاهرهِ.!!

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[03 - 11 - 10, 03:24 م]ـ

الحمد للهِ وصلَّى اللهُ تعالى وسلَّمَ على عبدهِ ورسولهِ محمَّدٍ وآلهِ وصحبهِ ومن سلكْ * سبيلَهم ما دارَ نجمٌ في فلكْ , وبعد:

فإنَّ من أشَدِّ ألوانِ البَلاءِ التي يصبُّها الله تعالى على قلوبِ ووجوهِ بعضِ عبادهِ بلاءَ (الْقِحَةِ) التي تسلُبُ نورَ الوجهِ وتقضِي على بواقي المروءةِ وفُتَاتِ الإحسَاسِ حتى يحسِبَ المُبتَلى بهذا الدَّاءِ أنَّ أنجحَ المَساعي وأغلى المطامحِ والمرامي أن يُنيلَ نفسَهُ وهواهُ كُلَّ مطلَبٍ وإن أعقبهُ ذلكَ مقتَ اللهِ ورسولهِ والمؤمنينَ , فتَراهُ أُلبِسَ ثوباً من الجَفاءِ صفيقاً , وأصبحَ بكلِّ مذمَّةِ زعيماً وحقيقاَ وهُوَ في مَرضِهِ ذلكَ مُسيَّرٌ غيرُ مُخَيَّرٍ بمعنى أنَّهُ لا يملكُ ضبطَ نفسِهِ إلا بحبلٍ من اللهِ يتمثَّلُ في ضراعتهِ إليهِ أن يرفعَ عنهُ ما صبَّهُ عليهِ من الموبقِ وإجابةِ اللهِ لهذه الضَّراعةِ وإلا بقيَ أبداً مُبتَلىً موْزُوراً غيرَ مأجُورٍ , ولذا قالَ الإمامُ ابنُ حزمٍ رحمهُ الله تعالى (والحيِيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى القِحَةِ والوَقِحُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الحيَاءِ) وهذا يعني أنَّهُ فيما ابتُليَ بهِ كأصحاب العللِ المُزمِنةِ التي لا حولَ لهم في رفعها ليسَ لها دافعٌ من الله تعالى.

والقِحَةُ كبيرةٌ من الكَبائرِ كما نصَّ على ذلك بعضُ أهل العلمِ كالشيخِ محمَّد بنِ عبد الوهَّابِ حيثُ ضمَّنها كتابهُ الكبائرَ باعتبارها منهنَّ , وسَاقَ في مذَمَّتها حديثَ أبي مَسعُودٍ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - عَنْ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {إنَّ ممَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَستَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ} , وصَدقَ رحمهُ اللهُ في إدراجها بينَ أخواتِها الشقائقِ لأنَّ اللهَ تعَالى جعَلَ القحةَ طابعاً مختوماً على سفلَةِ الأمَمِ البائدةِ , ولو لم يكُن فيها من المَذَمَّةِ إلا هذا لكفاها سُبَّةً وعاراً , فانظُر عافاني اللهُ وإيَّاكَ إلى الله تعالى وهُو يقُصُّ خبَر قومِ لوطٍ يومَ عابَ عليهم القِحَةَ في عدمِ استحيائهم من غِشيانِ المناكر والمُجاهرةِ والمُفاخَرةِ بالجرائرِ فقال (وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنكرَ) أي مُجاهرينَ بها غيرَ مُستَترينَ ولا مُستحيِينَ , ومِن شِرار الخلقِ اليومَ في نوادي النَّاسِ ومَجامعهم أقوامٌ يكاشفُ أحدُهم خصمَهُ بالفحشِ والبذاءِ مكاشفةً مفضوحة , ويصيبُ ذائقةَ النَّاسِ ويعمش أبصارهم بتصرفه ولباسهِ وأفعالهِ المرذولةِ المقبوحة , وما هو ببعيدٍ من ذلكَ من يلبَسُ لباساً يتورَّعُ عنهُ الشيطانُ في أضغاثِ الأحلامِ, أو يرقُصُ جهاراً نهاراً هو ورفاق السوءِ الذينَ تؤزُّهمُ الشياطينُ والمُراهقَةُ والجدةُ والفراغُ والقحةُ أزًّا فلا يحسبهم النَّاظرُ إلا سُكَارى , وما هم بسُكَارَى , ولكنَّ بلاءَ الله أحاطَ بهم فهم في سكرتهم يعمهونَ وفي ريبهم يتردُّون , ثمَّ يسيرُ أحدُهم أو جميعُهم بينَ النَّاسِ في الأسواقِ والمطاراتِ والمَشَافي بشجرةٍ أنبتها اللهُ فوقَ رأسهِ لا يحضُركَ عند رؤيتِها إلا تقريبُ معنى المُشَبَّهِ بهِ في قوله تعالى في وصف الزَّقوم (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِين) ومع ذلكَ ترى هذا المسكينَ مختالاً كالطاووسِ غيرَ مُبالٍ بذوقٍ ولا عُرفٍ ولا كبيرٍ ولا صغيرٍ ولا ذكَرٍ ولا أنثى فضلاً عن الديانةِ والمروءة , وما هي ببعيدٍ من ذلكَ من تتفنَّنُ في التبَرُّجِ قائلةً بلسَانِ حالِها لكل مقبلٍ أو مُدبرٍ (هَيتَ لكَ) غَيرَ أنَّها لا تُغلِّقُ الأبوابَ ولا تنتظِرُ الخُطَّابَ بل تخلعُ حياءها قبل الحجابَ , وتتوسَّطُ مجامعَ العجَزَةِ والشَّبَابِ , فاتحةً أعينَهم وقلوبهم على ألوانٍ من التبُّرُّجِ والصفاقةِ والتمايلِ والتَّبابِ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير