واستؤجرت للجمعية دار كبيرة، في شارع قصر العيني، بجانب مجلس النواب، لما وصلتُ مصر كانت فيها.
ثم أنشأ السيد الخضر حسين (جمعية الهداية الإسلامية).
جمعية الشبَّان المسلمين لم تكن تجديداً في فهم الإسلام، ولم يكن لها عمل جدِّي في الدعوة إليه، ولا كانت تصحيحاً لمعتقدات العوام، ولا محاربة لبدعٍ كانوا يتوَّهمون أنها من الإسلام.
وإنما كانت - وأنا هنا لبيان الحق لا المجاملات - كانت تنظيماً ظاهرياً فقط.
ولعلَّ اشتغال أصحابها بالرياضة وإقامة الحفلات لها أكثر من اشتغالهم بالعلم والدعوة.
وجمعية الهداية كانت تنظيماً ظاهرياً لعمل المشايخ في الدعوة إلى الله.
تُلقى فيها محاضرات لا تحسُّ أنَّ فيها جديداً.
أما الدعوة المنظَّمة الحقيقية فقد بدأت على يد شاب اسمه (حسن البنا).
كان ممن يتردَّد على خالي محب الدين في المطبعة السلفية.
عرفته من يومئذٍ هاديء الطبع، رضيَّ الخلق، صادق الإيمان، طلق اللسان، آتاه الله قدرة عجيبة في الاقناع، وطاقة نادرة على توضيح الغامضات وحلِّ المعقَّدات والتوفيق بين المختلفين.
لم يكن ثرثارا، بل كان يحسن الإصغاء كما يحسن الكلام.
وضع الله له المحبة في قلوب الناس.
تخرَّج من دار العلوم في السنة التي دخلت فيها الدار، لم ألقه فيها، إنما لقيت سيِّد قطب وكنت معه في فصل واحد على ما أذكر، وكلاهما أسنُّ مني بثلاث سنوات.
وأنا على طريقتي التي لزمتها عمري كله لم أدخل يوماً حزباً، ولم أنتسب إلى جماعة، ولا ربطت فكري بفكر غيري، إلاَّ أن يكون الله ألزمني باتباع رأيه وإطاعة أمره، من مبلِّغٍ حكم الله، او حاكم مسلم لا يأمر بما يخالف شرع الله، أو أب، أو استاذٍ يأمر بخير يحبه الله.
بل إنَّ المسلم يسمع كلمة الحق من كل من ينطقه الله بها، صغيراً كان أم كبيرا.
أنا أسير في الخط الذي أُريتُ أنه الطريق الصحيح؛ فمن وجدُّته يمشي معي فيه أيَّدته وناصرته، وإن حاد عنه ضالاً هديته.
وإن كان متعمِّداً نصحته وزجرته.
لذلك أيَّدت بقلمي وبلساني الإخوان المسلمين في مواقف، ونقدتهم ي مواقف.
وما رجوت شكراً على تأييد ولا وجدته.
ولا خفت لوماً على نقد ولا باليته.
وذلك كله على ضعفي الذي أقرُّ به ولا أنكره، وعلى إيثاري دائماً العزلة والانفراد)).
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[16 - 07 - 03, 04:06 م]ـ
(6): نقد أساليب المتأخرين في التأليف:
@ قال رحمه الله في الذكريات (2/ 43 - 44): ((وأثرت بعض المشايخ لمَّا نقدت طريقتهم في الدعوة إليه وفي تلقين المتعلمين أحكام شريعته.
وكانت في الحق أسوأ الطرق في التدريس، في كتب ألِّفت على أسء الأساليب في التأليف (متن)؛ موجز إيجازاً مخلاًّ ...
انظروا إلى (جمع الجوامع) و (التحرير) في الأصول مثلاً على هذه المتون، وقابلوا أسلوبه بأسلوب الغزالي في (المستصفى).
كانت أكثر الكتب التي يعكفون عليها بعيدة عن البيان بُعدَ الأرض عن السماء، معقَّدة العبارة، أعجمية السبك، وإن كانت عربية الكلمات.
فيأتي من يوضِّح غامض المتن؛ فيدخل جملةً من عنده بيم كل جملتين منه، كما يرقعون اليوم الجلد المحروق ن الإنسان بقطعةٍ من جلده السليم، فينجح الرتق أو يظهر أثر الفتق، وهذا هو (الشرح).
ويأتي من يضع لهذا الشرح حواشي وذيولاً، يطوله فيها، فيجمله، أو يقبحه ويعطله، وهذه هي (الحاشيه).
ويبدو ضعف الإنشاء في القرون المتأخرة حتى في مثل حاشية ابن عابدين، التي هي اليوم عمدة المفتين على المذهب الحنفي.
ثم يجيء من يعلِّق على هذه الحاشية تعليقات، وتسمَّى (التقريرات).
فلا الأسلوب عربي فصيح، ولا المنهج قويم صحيح.
وانظروا (المبسوط) مثلاً للسرخسي، أو (البدائع) للكاساني، ثم انظروا (الحاشية).
أو انظروا في مذهب الشافعية (الأم)، ثم (مغني المحتاج).
نَّ ما بينهما كالذي بين (أسرار البلاغة) و (شروح التلخيص) !!
في كتب الأولين البلاغة والبيان، والأسلوب العربي المنير.
وفي حواشي المتأخرين .. فيها ما تعرفون)). انتهى بتصرف يسير.
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[18 - 07 - 03, 03:29 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
(7): المراحل التي مرَّ عليها تدوين العلوم، والقرن الماضي عصر الجمود في العلم:
¥