تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

@ وقال رحمه الله في الذكريات (2/ 166 - 168): ((علماء القرن الماضي كانوا في الغالب علماء بما في الكتب؛ حرثوها حرثاً، وقتلوها تنقيباً وبحثاً.

ولكن وقف أكثرهم عندها؛ لم يجاوزها، ولم يفكِّر أن يزيد عليها.

ولقد بدأت هذه العلوم كما تبدأ الأنهار الكبار؛ ينابيع كثيرة تخرج منها الواقي الصغيرة، ثم تتجمَّع في جداول، ثم تجتمع الجداول فيكون النهر.

ولو رسمنا خطَّاً بيانياً لهذه العلوم لوجدناه يرتفع ويعلو، حتى إذا جاء القرن الرابع الهجري بلغ القمة أو كاد، ثم يستوي، لا يصعد إلاّ قليلاً، إلى القرن الثامن.

يصدق هذا الحكم على النحو والبلاغة وعلوم العربية، كما يصدق على الفقه والحديث وعلوم الدين.

أو هي كالمحصولات الزراعية؛ تأتي من المزارع، ثم تجتمع في الأسواق، ثم تجفَّف أو تحفظ، ثم توضع في المستودعات الكبيرة، تكدَّس فيها البضاعة.

وهذه المستودعات هي دوائر المعارف (المعلمات: الأنسيكلوبديات) (1).

في هذا القرن ألِّف (الإتقان في علوم القرآن)، و (المزهر) للسيوطي.

وفيه أو قريب منه ألِّفت (نهاية الأرب) للنويري، و (صبخح الأعشى) للقلقشندي، و (فتح الباري) و (لسان العرب).

وهذه المجموعات الكبار لم تؤلَّف في قرن واحد، ولكنها الِّفت كلها بعدما وقف الابتكار، وانقطع التجديد.

فصار الفقه روايةً لأقوال الأئمة، لا استنباطاً من كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلَّم.

والنحو صار قواعد جافة، منقطعة عن صحيح الشواهد، وبليغ المأثور من كلام العرب.

والبلاغة لا تجعل دارسها بليغاً إذا نطق أو كتب، بل حافظاً لما وقفت عنده لما جفَّ ينبوعها، وانقطع جريها.

كانت البلاغة نقداً منظَّماً، كلما جاء شاعر عبقري أو أديب بارع بصورةٍ جديدة من صور التعبير الجميل عرَّفوها، ثم صنَّفوها، ثم وضعوها موضعها من علم البلاغة.

فإن جاء من يدخل كناية في استعارة سمَّوا ما جاء به (استعارة مكنية).

وما يحسن به الكلام من زينة اللفظ أو المعنى جعلوا له علماً هو علم البديع.

وصنَّفوا هذه المحسِّنات، وابتكروا لها الأسماء.

ولبثت البلاغة صاعدة إلى الجرجاني، ثم السكاكي.

فجاء القزويني فلخَّص ما قاله، فوقفنا عند التلخيص، نشرح ثم نختصر الشرح، ثم نشرح المختصر؟!!

كانت البلاغة نقداً حيَّاً يمشي مع الأدب الحيِّ؛ فصارت قواعد باردة ميتة، لا تبرح مكانها.

ولبث الأدب - بشعره ونثره - ماشياً.

فانقطع ما كان من سببٍ بين البلاغة والأدب.

كان علماء القرن الماضي، والقرون المتأخرات قبله = علماء روايةٍ ونقل.

يفهمون ما تركه السلف، ولكن لايزيدون عليه، ولا يستطيعون أن يأتوا بمثله.

كان حرصهم على الكتب، لا على العلم الذي ألِّفت لدراسته هذه الكتب.

لذلك تقرؤون في ترجمة الواحد منهم أنه قرأ كتاب كذا وكتاب كذا، وأنه أقرأ تلاميذه كتاب كذا وكتاب كذا)).


(1): لماذا لا نسمِّي دائرة المعارف: (المُعْلَم)، على وزن المُعْجم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير