برهان ذلك: ما قد ذكرناه بإسناده من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:" أتقرأون خلفي"؟ قالوا: نعم، قال:" لا تفعلوا إلا بأم القرآن".
فوجب أن من أفتى الإمام لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون قصد به قراءة القرآن، أو لم يقصد به قراءة القرآن، فإن كان قصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز، لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يقرأ المأموم شيئاً من القرآن حاشا أم القرآن،
وإن كان لم يقصد به قراءة القرآن فهذا لا يجوز لأنه كلام في الصلاة وقد أخبر عليه السلام أنه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وهو قول علي بن أبي طالب وغيره، وبه يقول أبو حنيفة.
فإن ذكروا خبراً رويناه من طريق يحيى بن كثير الأسدى، عن المسور بن يزيد الأسدى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسي آية فى الصلاة، فلم سلم ذكره رجل بها، فقال: " أفلا أذكرتنيها".
فإن هذا هو موافق لمعهود الأصل من إباحة القراءة في الصلاة، وبيقين ندري أن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقرأ خلقه إلا بأم القرآن فناسخ لذلك ومانع منه، ولا يجوز العود الى حال منسوخة بدعوى كاذبة في دعويها. انتهى.
وفي هذا الكلام عدة مواضع للنظر فيه، منها:
- الاستدلال بالنهي عن القراءة بغير الفاتحة، وسبب ورود الحديث معلوم لدى الكافة، أن رجلاً كان يقرأ مع قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:" مالي أنازع القرآن"، وأما الذى يفتح على الإمام فلا ينازعه بل ينبهه إلى سهو أو خطأ طرأ عليه في صلاته، فهو استدلال مع الفارق.
- قوله (فوجب من أفتى الإمام لا يخلو من أحد وجهين ............ )
قلت: سواء قصد القراءة، أو قصد الإعلام والتنبيه، فهو فعل مشروع لما سبق ذكره من الأدلة القاضية بمشروعية الفتح على الإمام، والتى لم يذكرها ابن حزم، لذا قال الشوكاني راذاً عليه في " نيل الأوطار" (2/ 328 - 329): وتقييد الفتح بأن يكون على إمام لم يؤد الواجب من القراءة (يعنى الفاتحة) وبأخر ركعة مما لا دليل عليه، وكذا تقييده بأن يكون في القراءة الجهرية، والأدلة قد دلت على مشروعية الفتح مطلقاً. انتهى.
-أما دعوى النسخ المذكورة، فلا دليل على النسخ بمعرفة المتقدم والمتأخر، والمعلوم لدى العلماء أنه لا يصار إلى النسخ إذا أمكن الجمع بين الأحاديث، وقد تمكنا، والحمد لله.
وبقت هنا كلمة، أن الفتح على الإمام، وإعلامه بما أخطأ فيه، وإصلاح خطئه، من باب قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) [المائدة:2]، كما أن الفتح على الإمام، بضوابطه، يضمن صحة صلاة الإمام والمأمومين، وهى غاية عظيمة، وهدف نبيل مشروع، تؤيده وتدعمه الأدلة السابق ذكرها.
لذا قال القسطلاني في " إرشاد الساري" (2/ 371) عن التسبيح، و التصفيق:
وبهذا قال مالك والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور،
وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جواباً بطلت صلاته، وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل، فحملا التسبيح المذكور على قصد الإعلام بأنه فى الصلاة، من نابه، على نائب مخصوص، وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة، والأصل: عدم هذا التخصيص؛ لأنه عام لكونه في سياق الشرط، فيتناول كلا متهما، فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار اليه، لا سيما التي هي سبب الحديث، لم يكن القصد فيها إلا تنبيه الصديق على حضوره صلى الله عليه وآله وسلم، فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنه كان حقهم عند هذا النائب التسبيح، ولو خالف الرجل المشروع في حقه و صفته لم تبطل صلاته؛ لأن الصحابة صفقوا فى صلاتهم ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإعادة. انتهى.
فيظهر مما سبق بيانه، أنه لا حجة للمانعين من الفتح على الإمام، أو من قيدوه بحالة دون أخرى، أو بفعل دون أخر، وأن الصواب: هو جواز الفتح على الإمام عند خطئه أو نسيانه، وقد يستحب أو يتوجب بحسب كل حالة،
وفي " قتاوى الجنة الدائمة" (6/ 399/661): "يشرع للمأموم إذا غلط إمامه أو نسي قراءته، أن يفتح عليه، ويلقنه الصواب في القراءة".
وفيها (6/ 399/9414): " يشرع لمن يصلى خلف الإمام أن يفتح عليه إذا سهى في قراءته، لكن إذا لم يفتح عليه أحد، فإن صلاته صحيحة، ولا يعيدها إذا كانت الآيات الساقطة من غير الفاتحة. انتهى.
فصل في بيان ما يتعاطاه الرجال والنساء حال النائبة تنوب في الصلاة.
¥