تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مما انتشر بين الناس في الأزمنة المتأخرة أنه إذا مات عالم من العلماء أو علم من الأعلام طلب من طلابه أو معارفه أو أقاربه أو زملائه أو من لهم صلة به أن يتحدثوا عنه؛ إما في مشاركات إذاعية أو مرئية أو محاضرات أو ندوات أو مقالات أو تعليقات. ويتلخص ذلك كله في أنه عدّ لمحاسن الميت وإبراز لجوانب شخصيته والثناء عليه وما أشبه ذلك.

والذي يظهر لي أن مثل هذه الأعمال تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما كان وقت المصيبة قبل السلو عنها فهذا داخل في النعي المنهي عنه؛ لأن مؤداه التفجع على الميت وإعظام حال موته وأن بموته تنقطع المصالح، ويعز وجود نظيره، وفي هذا تجديد الأحزان ونكء الآلام ومخالفة مقصود الشرع من تخفيف المصاب وتسهيله؛ ليكون ذلك عوناً في الصبر على قضاء الله وقدره.

القسم الثاني: ما كان بعد السلوة وبرود المصيبة فلا بأس بذلك من حيث الأصل، فإن كان الغرض منه التأسي بالصالحين والاقتداء بهم فإن ذلك مستحب لما يتضمنه من الدعوة إلى الخير والتأسي بالصالحين وعلى هذا بناء كثير من كتب السير والتراجم والأعلام. ومما يدل لذلك ما جاء في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر رضي الله عنه (58).

المسألة الخامسة: المراثي:

للعلماء رحمهم الله في رثاء الأموات قولان في الجملة.

القول الأول: أنه لا بأس بالمراثي، وهذا مذهب الحنفية (59)، والشافعية (60).

واستدل هؤلاء بأن الكثير من الصحابة رضي الله عنهم فعله وكذلك فعله كثير من أهل العلم (61).

القول الثاني: أنه تكره المراثي، وهو قول للشافعية (62).

واستدل هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن المراثي، فعن عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي". رواه الإمام أحمد (63)، وابن ماجه (64). وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ:"ينهانا عن المراثي" (65).

ومدار الحديث على إبراهيم الهجري الراوي عن عبد الله قال عنه البوصيري في مصباح الزجاجة: وهو ضعيف جداً ضعفه سفيان بن عيينة ويحيى بن معين والنسائي وغيرهم (66). وقال عنه البخاري: منكر الحديث.

قالوا:" والأولى الاستغفار له ويظهر حمل النهي عن ذلك على ما يظهر فيه تبرم أو على فعله مع الاجتماع له أو على الإكثار منه أو على ما يجدد الأحزان دون ما عدا ذلك فإن الكثير من الصحابة وغيرهم من العلماء يفعلونه" (67).

وقد قسّم القرافي المراثي إلى أربعة أقسام باعتبار حكمه (68):

"الأول: المراثي المباحة، وهي الخالية عن التحريم من ضجر أو تسخط أو تسفيه للقضاء وما أشبه ذلك.

الثاني: المراثي المندوبة، وهي ما كان مسهلاً للمصيبة مذهباً للحزن محسناً لتصرف القضاء مثنياً على الرب تعالى.

الثالث: المراثي المحرمة الكبيرة، وهي ما كان فيه اعتراض على القضاء وتعظيم لشأن الميت وأن موته خلاف الحكمة والمصلحة وما أشبه ذلك.

الرابع: المراثي المحرمة الصغيرة، وهي ما كان مبعداً للسلوة عن أهل الميت مهيجاً للأسف معذباً للنفوس".

وهذا تفصيل حسن، فيحمل ما جاء من النهي عن المراثي على القول بثبوته على القسمين الثالث والرابع، قال ابن حجر عندما ذكر رثاء النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن خولة رضي الله عنه:" وليس معارضاً لنهيه عن المراثي التي هي ذكر أوصاف الميت الباعثة على تهييج الحزن وتجديد اللوعة، وهذا هو المراد بما أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي، وهو عند ابن أبي شيبة بلفظ: نهانا أن نتراثى، ولا شك أن الجامع بين الأمرين التوجع والتحزن" (69)، والله أعلم.


(1) معجم مقاييس اللغة ص (1036). وينظر: لسان العرب (15/ 334).
(2) جامع الترمذي ص (239).
(3) (5/ 85).
(4) حاشية ابن عابدين (3/ 72).
(5) (1/ 345).
(6) (1/ 331). (7) تسلية أهل المصائب ص (82).
(8) معجم مقاييس اللغة ص (1021).
(9) لسان العرب (1/ 754).
(10) المصباح المنير.
(11) (5/ 34).
(12) تحرير ألفاظ التنبيه ص (100).
(13) (1/ 315).
(14) تسلية أهل المصائب ص (63).
(15) معجم مقاييس اللغة ص (1021).
(16) المعجم الوسيط.
(17) (1/ 384).
(18) (1/ 361).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير