ثم فهرست لموضوعات البحث.
وفي الختام فإنني أسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد المتواضع خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع طلاب العلم والمتخصصين إنه نعم المولى ونعم النصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المبحث الأول
التعريف بالإمام أبي حنيفة وبعلم أصول الحديث
في هذا المبحث حرصت على التعريف بالإمام الأعظم أبي حنيفة بترجمة موجزة مختصرة معتمداً على كون هذا التعريف وهذه الترجمة قد سبقني إليها علماء وباحثون كُثر في مؤلفات وأبحاث ورسائل علمية. ثم وجدت من الضروري في هذا المبحث أن أفرد التعريف بعلم أصول الحديث أو مصطلح الحديث أو علوم الحديث بمطلب مستقل لتكتمل الفائدة من هذا البحث، وقد قسّمت هذا المبحث إلى مطلبين هما:
المطلب الأول: التعريف بالإمام أبي حنيفة (1)
اسمه ونسبه وكنيته: هو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي - وقيل: عتك بن زوطرة الكوفي مولى بني تَيْم الله بن ثعلبة.
أصله ومولده: قيل أصله من أبناء فارس، ولد في الكوفة سنة ثمانين هجرية في خلافة عبد الملك بن مروان، وقيل: أصله من بابل وقيل: من ترمذ. قيل: إن والده كان من تَسَا، وقيل: من أهل الأنبار.
نشأته وطلبه العلم: نشأ بالكوفة وعاش معظم حياته فيها، ولجأ في بداية نشأته إلى حفظ القرآن الكريم وقد حفظه، وكان من أكثر الناس تلاوة للقرآن الكريم حتى إنه كان يختمه مرات كثيرة في رمضان، وأخذ القراءة عن الإمام عاصم أحد القرّاء السبعة.
وبعد حفظه للقرآن الكريم اطلع على السنن التي يصحح بها دينه أي على السنن والأحاديث المتعلقة بالعقيدة والتوحيد، ودرس علم الكلام حتى برع فيه وبلغ فيه شأواً عظيماً. ثم التحق بمجلس حماد بن أبي سليمان شيخ فقهاء الكوفة في زمانه وتتصل حلقته بالصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وبقي أبو حنيفة يداوم على حضور حلقة شيخه حماد حتى توفاه الله تعالى سنة 120 هـ، وأخذ العلم أيضاً عن شيوخ كثيرين في فنون عدة سنذكر أشهر شيوخه فيما بعد إن شاء الله.
وبعد وفاة شيخه حماد بن أبي سلمان اجتمع رأي تلاميذه على استخلاف الإمام أبي حنيفة مكانه وأجمعوا على رئاسته مدرسة الكوفة التي عُرفت بمدرسة الرأي وأصبح إمام فقهاء العراق بلا منازع واجتمع بأشهر علماء عصره وسار الركبان بذكره وانتشر صيته في أقاليم الدولة الإسلامية كالبصرة ومكة والمدينة وبغداد. وطبقت شهرته الآفاق حتى غدت حلقته ومجلسه مَجْمعاً علمياً يلتقي فيها كبار المحدثين كعبد الله بن المبارك، وكبار الفقهاء كالقاضي أبي يوسف تلميذه، وكبار الزهاد والعبّاد كالفضيل بن عياض وداود الطائي.
ثم كان أبو حنيفة مولعاً بالجدل المفيد والنظر والاستدلال منذ صغره وشبوبه في طلب العلم، وقد جادل نحواً من اثنتين وعشرين فرقة ودافع عن الدين ونافح عنه وجادل الدهريين وأفحمهم ووجّههم إلى الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى
وكان أبو حنيفة خزّازاً أي يبيع الخزّ وكانت له دار كبيرة لعمل الخزّ وكان عنده صنّاع وأجراء.
صفاته الخَلْقية والخُلُقية: فمن صفاته الخَلْقية أنه كان أبو حنيفة النعمان جميل الوجه رَبْعة بين الرجال من أحسن الناس صورة وأبلغهم نطقاً وأعذبهم نغمة وأبينهم عما في نفسه، وكانت تعلوه سمرة كما كان حسن الهيئة سرى الثوب كثير التعطر هيوباً لا يتكلم إلاّ جواباً ولم يكن يخوض فيما لا يعنيه.
أما صفاته الخُلُقية رحمه الله فحدّث عنها ولا حرج، فقد كان الإمام أبو حنيفة إماماً ورعاً عاملاً متعبداً كبير الشأن لا يقبل جوائز السلطان بل كان يتاجر بالخزّ وينفق من كسب يده وجمع بين الفقه والعبادة والورع والسخاء، وقام بأمانة العلم خير قيام مع الاجتهاد في العبادة والاستقامة في الخلق والمعاملة والزهد في الدنيا والنصيحة لله ولرسوله وللمسلمين.
وكان رحمه الله ضابطاً لنفسه مستولياً على مشاعره لا تعبث به الكلمات العابرة ولا تبعده عن الحق، كما كان هادئاً واسع الصدر، ولم يكن هذا الهدوء هدوء من لا يحسّ بل هدوء من علت نفسه وسمت بالتقوى، وكان عميق الفكرة غوّاصاً في المسائل حريصاً على معرفة مرامى الأمور البعيدة والقريبة، وكان حاضر البديهة واسع الحيلة متطلعاً للحقائق.
¥