4 - وقال اللكنوي: " وقيل: ترد روايته إذا استحلّ الكذب في الرواية أوالشهادة نصرة لمذهبه وهو المنقول عن الشافعي ... إلى أن قال: وهذا القول حكاه الخطيب عن ابن أبي ليلى وسفيان الثوري وأبي حنيفة " (39).
رابعاً: أقواله في الجرح والتعديل
نسبت إلى أبي حنيفة بعض الأقوال في جرح وتضعيف بعض الرواة وتوثيق بعضهم، فمن أقواله في التجريح والتضعيف قوله في تجريح وتكذيب جابر الجعفي. قال السخاوي في فتح المغيث: " فلما كان عند آخر عصر التابعين وهو حدود الخمسين ومائة تكلمّ في التوثيق والتضعيف طائفة من الأئمة، فقال أبو حنيفة: " ما رأيت أكذب من جابر الجعفي " (40).
ومن أقواله في التوثيق توثيقه لسفيان الثوري، فقد سئل الإمام أبو حنيفة عن الأخذ عن الثوري فقال لمن سأله: اكتب عنه فإنه ثقة، ما خلا أحاديث أبي إسحق عن الحُريث وحديث جابر الجعفي " (41).
المطلب الرابع:
مقولاته في صفة تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ
لقد أُثر عن الإمام أبي حنيفة مقولات عدة ونُسبت إليه آراء في مسائل مختلفة في موضوع تحمل الحديث وأخذه عن الشيوخ، وهذه المسائل هي:
الأولى: ضابط التمييز عند الصبي
من المعلوم أن من ضوابط التمييز عند بعض العلماء أن يفهم الصبي الخطاب ويردّ الجواب، وكذا كان أبو حنيفة يرى هذا الأمر كما قال السخاوي في فتح المغيث بعد ذكره هذا الأمر: " وكذا بنحو ما اتفق لأبي حنيفة حين استأذن علي جعفر بن محمد فإنه بينما هو جالس في دهليزه ينتظر الإذن إذ خرج عليه صبي خماسي من الدار. قال أبو حنيفة: فأردت أن أسبر عقله فقلت: أين يضع الغريب الغائط من بلدكم يا غلام؟ قال: فالتفتَ إليّ مسرعاً فقال: فوق شطوط الأنهار ومساقط الثمار وأفنية المساجد وقوارع الطرق، وتوارَ خلف جدار، وأشل ثيابك وسم بسم الله، وضعه أين شئت، فقلت له: من أنت؟ فقال أنا موسى بن جعفر " (42)
قلت: أراد الإمام أبو حنيفة يختبر تمييز الصبي وإدراكه وكان عمر الصبي خمس سنوات وهو موسى بن شيخه جعفر بن محمد فسأل الصبي السؤال وردّ هذا الصبي الجواب المناسب الذي دلّ على تمييزه ومن ثمّ استشهد السخاوي بهذه القصة على تمييز الصبي بفهم الخطاب وردّ الجواب.
الثانية: ألفاظ الأداء في السماع من لفظ الشيخ
قال القاضي عياض في كتابه الإلماع: " لا خلاف بين أحد من الفقهاء والمحدثين والأصوليين بجواز إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبّأنا وخبّرنا فيما سمع من قول المحدّث ولفظه وقراءته وإملائه. وكذلك سمعته يقول أو قال لنا وذكر لنا وحكى لنا " (43).
الثالثة: القراءة على الشيخ
وتسمى العرض عند أكثر المحدثين، وفي هذا الموضوع أُثر عن أبي حنيفة مقولات عدة في مسائل متعددة هي:
أولاً: جواز الرواية بهذه الصيغة وهي القراءة على الشيخ أوالعرض عليه
نَسبَ ذلك إلى أبي حنيفة عددٌ من المحدثين منهم:
1 - القاضي أبو محمد الرامهرمزري الذي روى في كتابه المحدث الفاصل بسنده إلى أبي عاصم النبيل قال: سمعت سفيان وأبا حنيفة ومالكاً وابن جُريج كلّ هؤلاء سمعتهم يقولون: لا بأس بها - يعني القراءة - وأنا لا أراه، وما حدَّثت عن أحمد من الفقهاء قراءة (44). قلت: وقد ذكر هذه الرواية البلقيني في محاسن الاصطلاح (45).
2 - الخطيب اليغدادي الذي روى في كفايته بسنده إلى خارجة قال: سألت أبا حنيفة عن الرجل يقرأ على العالم الحديث يحدث به عنه؟ قال: لا بأس بذلك. وروى بسنده أيضاً إلى المعافى بن عمران أن أبا حنيفة كان يرى عرض الحديث مثل الصكّ يُقرأ على الرجل فيشهد على ذلك (46). قلت: الرواية الأولى نصّ في الجواز والثانية كفايةعنه.
وروى بسنده أيضاً إلى القاضي أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - قال: سألت أبا حنيفة عن رجل عرض على رجل حديثاً: هل يجوز يحدّث به عنه؟ قال: نعم يجوز أن يقول حدثني فلان وسمعت فلاناً، وهذا مثل قول الرجل يقرأ عليه الصكّ فيقرّ به فيجوز لك أن تقول: أقرّ عندي فلان بجميع ما في هذا الكتاب (47).
قلت: وهذه الرواية جمعت بين التصريح بالجواز والكناية عنه.
3 - السيوطي الذي ذكر في التدريب أن الأئمة الأربعة ممن قال بصحة الرواية بالقراءة على الشيخ (48).
ثانياً: مرتبة ومكانة القراءة والعرض على الشيخ بالنسبة للسماع من لفظه
¥