قلت: المشهور عن الإمام أبي حنيفة في هذه المسألة هو القول الأول وهو ترجيح القراءة على الشيخ وتفضيلها على السماع من لفظه، وأما القول الثاني وهو التسوية بينهما وكذلك القول الثالث وهو عكس الأول فهما غير مشهورين عنه كما تقدم في ذكر الأقوال الورادة في ذلك عن المحدثين.
ثالثاً: ألفاظ الأداء والرواية في القراءة على الشيخ أو العرض عليه
المشهور عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله المساواة بين إطلاق حدثنا وأخبرنا وسمعت في القراءة والعرض على الشيخ كما في السماع من لفظه، وقد رُويت في ذلك آثار عنه منها:
1 - ما رواه الخطيب البغدادي بسنده إلى القاضي أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - قال: سألت أبا حنيفة عن رجل عرض على رجل حديثاً: هل يجوز يحدّث به عنه؟ قال: نعم، يجوز أن يقول: حدثني فلان وسمعت فلاناً " (64).
كما روى بسنده إلى الإمام أبي حنيفة نفسه قال: لا بأس إذا قرا العلم على العلماء فأخبر به لا بأس أن يقول: حدثنا (65).
وروى بسنده إلى أبي عاصم النبيل قال: سألت مالك بن أنس وابن جريج وسفيان الثوري وأبا حنيفة عن الرجل يقرأ على الرجل الحديث فيقول: حدثنا؟ قالوا: لا بأس به. وروى إلى أبي قطن قال: وقال لي أبو حنيفة: اقرأ عليّ وقل: حدثنا - وفي رواية: وقل: حدثني - لو رأيت عليك في هذا شيئاً ما أمرتك به (66).
2 - وقال أبو عمر بن عبد البر: " وله أن يقول: أخبرنا وحدثنا، وممن قال بذلك مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن، ثم روى بسنده قول أبي قطن المتقدم (67).
3 - وقال العراقي في الفتح: " وذهب أبو بكر بن شهاب الزهري ومالك والثوري وأبو حنيفة وصاحباه وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطّان ومعظم الحجازيين والكوفيين والبخاري إلى جواز إطلاقهما " - يعني: حدثنا وأخبرنا - وقال أيضاً: " وحُكي عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة " (68).
4 - وقال البلقيني في المحاسن: " وممن جوّز إطلاق حدثنا في ذلك عطاء والحسن وأبو حنيفة وصاحباه وزفر ومنصور " (69).
5 - وقال السخاوي في الفتح: " وذهب الزهري والقطان والثوري وأبو حنيفة - في أحد قوليه - وصاحباه ومالك بن أنس - في أحد قوليه - وسفيان بن عيينة والشافعي وأحمد ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام البخاري إلى جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا بدون تقييد بالقراة على الشيخ " (70).
6 - وذكر السيوطي جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا على الرواية بالقراءة على الشيخ عن جماعات من المحدثين ومعظم الحجازيين والكوفيين كالثوري وأبي حنيفة وصاحبه (71).
7 - وقال زكريا الأنصاري: " وذهب الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيى بن سعيد القطان والإمام أبو حنيفة والإمام مالك - في أحد قوليهما - وبعدُ سفيان بن عُيينة والإمام أحمد - في أحد قوليه - ومعظم أهل الكوفة والحجاز مع الإمام البخاري إلى الجواز - أي جواز الإطلاق - كما في القسم الأول - أي السماع" (72).
8 - وقال الصنعاني: " والثاني: الجواز، وهو مذهب الزهري والثوري وأبي حنيفة ومعظم أهل الكوفة والحجاز " (73).
9 - وذكر اللكنوي أن جواز إطلاق حدثنا وأخبرنا في القراءة على الشيخ والسماع منه نقله الحاكم عن الأئمة الأربعة ثم قال: " ورُوى عن أبي مطيع أنه قال: سألت أبا حنيفة فقلت له: أقول: حدثنا أو أقول: أخبرنا؟ قال: إن شئت قلت: حدثنا، وإن شئت قلت: أخبرنا " (74).
10 - وذكر القاسمي في قواعد التحديث أنه نقل عن الحاكم أن جواز الإطلاق مذهب الأئمة الأربعة (75).
كما رُوي عن أبي حنيفة - في غير المشهور عنه - التفرقة بينهما حيث تستعمل حدثنا في السماع من لفظ الشيخ، وأخبرنا في القراءة عليه، وممن نقل ذلك عنه:
1 - القاضي عياض في الإلماع الذي قال: " واختلف في ذلك عن أبي حنيفة وابن جريج والثوري ... ثم قال: ورُوي هذا المذهب من التفريق عن أبي حنيفة وهو قول الشافعي " (76).
2 - أبو عمر بن عبد البر في جامعه حيث قال نحو قول القاضي عياض (77).
3 - والسخاوي في الفتح الذي ذكر أن ابن جريج والأوزاعي وابن معين مع الإمام أبي حنيفة - في أحد قوله - وابن وهب والإمام الشافعي ومسلم وجلّ أهل المشرق قد جوّزوا إطلاق أخبرنا دون حدثنا للفرق بينهما (78) - يعني للفرق بين السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه.
¥