رابعاً: فروع تتعلق بالقراءة على الشيخ: وفي ذلك فرعان
1 - إذا أمسك الطالب الأصل مع المراعاة له حين القراءة على الشيخ رضي في الثقة والضبط لذلك، والشيخ حينئذ لا يحفظ ما قد عرض الطالب عليه ولا هو ممسك اصلاً بيده. ذكر السخاوي أن السماع باطل بهذه الطريق وقال: " نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة لأنهما لا حجّة عندهما إلاّ بما رواه الراوي من حفظه " (79).
2 - وقال السيوطي في التدريب: " إذا قرأ الراوي على الشيخ قائلاً: أخبرك فلان - أو نحوه كقلت: أخبرنا فلان - والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقرّ لفظاً صحّ السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة، ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله: نعم - على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون (الحديث والفقه والأصول) "، ثم ذكر السيوطي القول الآخر الذي يشترط نطق الشيخ بالإقرار ثم قال: " وحُكي تجويز ذلك عن الفقهاء والمحدثين وحكاه الحاكم عن الأئمة الأربعة وصححه ابن الحاجب " (80).
الرابعة: الإجازة وهي الإذن والإباحة بالرواية لفظاً أو خطاً أو بهما معاً من الشيخ للطالب أو الراوي:
لقد أثر عن أبي حنيفة في هذا الموضوع مسألتان هما:
1 - حكم الإجازة: قال العراقي: " بل أطلق الآمدي النقل عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن الإجازة غير صحيحة. ويجوز أن يكون أبو حنيفة وأبو يوسف إنما يمنعان صحة الإجازة الخالية عن المناولة " (81).
2 - النوع الأول من الإجازة وهو الإجازة من شيخ معين إلى طالب معين بمعين من الكتب والمسموعات: ورأى أبي حنيفة هو إبطال الرواية بهذا النوع. قال السيوطي في التدريب: " وأبطلها جماعات من الطوائف من المحدثين كشعبة والفقهاء كالقاضي حسين والماوردي وأبي بكر الخُجَنْدي الشافعي وأبي طاهر الدّباس الحنفي ... وهو إحدى الروايتين عن الشافعي، وحكاه الآمدي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ونقله القاضي عبد الوهاب عن مالك " (82).
وقال رضى الدين الحنبلي في أنواع الإجازة: " ومنها الإجازة الخاصة المعينة خلافاً لأبي طاهر الدبّاس مِنّا إذ قال بإبطالها. والمختار فيها وفاقاً لابن الساعاتي أن المجيز إن كان عالماً بما في الكتاب والمجاز له فَهِماً ضابطاً جازت الرواية بها ووقع بها الاحتجاج، وإلاّ بطلب عند أبي حنيفة ومحمد وصحت عند أبي يوسف " (83).
قلت: وقول الحنبلي أيضاً يدخل في شروط الإجازة إذ من شروطها عند البعض - كما هو هنا عند أبي حنيفة - أن يكون المجيز - وهو الشيخ - عالماً بما يجيز به والمجاز له - وهو الطالب - فاهماً ضابطاً.
الخامسة: حكم المناولة المقرونة بالإجازة
المشهور عن أبي حنيفة جواز الرواية والاحتجاج بهذه الرواية المتحمّلة بالمناولة المقرونة بالإجازة، وأن رتبتها دون رتبة السماع من لفظ الشيخ والقراءة أو العرض عليه، وقد وردت في ذلك أقوال عدة عن بعض المحدثين منها:
1 - قال الحاكم في المعرفة: " أما فقهاء الإسلام الذين أفتوا في الحلال والحرام فإنهم لم يروه سماعاً، وبه قال الشافعي والأوزاعي والبويطي والمُزَني وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وابن المبارك ويحيى بن يحيى وإسحاق بن راهوية. وعليه عهدنا أئمتنا وإليه ذهبوا وإليه نذهب " (84).
وقد علّق الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح على ذكر أبي حنيفة في كلام الحاكم فقال: " وأما أبو حنيفة فلا يرى صحتها أصلاً كما ذكره صاحب القنية فقال: إذا أعطاه المحدث الكتاب وأجاز له ما فيه ولم يسمع ذلك ولم يعرفه فعند أبي حنيفة ومحمد لا يجوز روايته، وعند أبي يوسف يجوز ... لم يكتف صاحب القنية في نقله عن أبي حنيفة لعدم الصحة بكونه لم يسمعه فقط بل زاد على ذلك بقوله: ولم يعرفه؛ فإن كان الضمير في يعرفه عائداً على المجاز - وهو الظاهر لتتفق الضمائر - فمقتضاه أنه إذا عرف المجاز ما أجيز له أنه يصحّ بخلاف ما ذكر المعترض أنه لا يرى صحتها أصلاً، وإن كان الضمير يعود على الشيخ المجيز فقد ذكر المصنف - يعني: ابن الصلاح - بعد هذا أن الشيخ إذا لم ينظر ويتحقق روايته لجميعه لا يجوز ولا يصحّ، ثم استثنى ما إذا كان الطالب موثوقاً بخبره فإنه يجوز الاعتماد عليه. وهذه الصورة لا يوافق على صحتها أبو حنيفة بل لا بد أن يكون الشيخ حافظاً لحديثه أو ممسكاً لأصله وهو الذي صحّحه إمام الحرمين " (85).
¥