وهو في الوقت الذي يدعوا الناس فيه لتهذيب طبائعهم والارتقاء بها، ويصل بهم إلى نماذج تقرب من الخيالات والأحلام، لا يدعو لتغيير الطبائع، ولا يضع في حسابه أن هذا التغيير ممكن، أو مفيد لحياة البشرية حتى إذا أمكن.
إنما يؤمن بأن أفضل ما يستطيع أن تصل البشرية إليه من الخير، ما يجيء متمشياً مع الفطرة بعد تهذيبها، وهو كذلك يسير في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية تلك، فيسوي بينهما حيث تكون المساواة هي منطق الفطرة الصحيح، ويفرق بينهما حيث تكون التفرقة أيضاً هي منطق الفطرة الصحيح.
ومن أهم مواضع التفرقة هذه تقسيم الإرث.
فالإسلام يقول في الميراث: ((لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)) [النساء/11]، فلماذا كانت هذه القسمة؟ وما وجه العدالة فيها؟ وهل دوماً كان للذكر مثل حظ الأنثيين؟
وللرد على هذه الشبهة وهذه الاستفسارات نقول وبالله التوفيق:
* إن نظام الإسلام في الميراث نظام حكيم فضلاً عن كونه عادلاً، وضّح من هم الورثة الشرعيون، وأنزلهم منازلهم في تركة المورَّث حسب قرابتهم منه، وحسب وضعهم الاجتماعي في الحياة وما تفرض عليهم هذه الأوضاع من تبعات وأعباء يتلقونها عن المورث كما تلقوا عنه تركته أو بعض تركته.
وهذه التهمة التي رمى بها مفكروا الغرب ومن نهج نهجهم الشريعة الإسلامية والتي من أجلها اعتبروا الشريعة متخلفة لا تساير المدنية ولا تصلح للسير معها في المستويات العليا للحياة تهمة باطلة وظالمة في أكثر من وجه:
* فهذه المساواة التي يقال إن المرأة قد وقفت فيها مع الرجل جنباً إلى جنب في الأمم المتمدنة، إن صحت هذه الدعوى على إطلاقها - وهي غير صحيحة- فإنها ما زالت في طور التجربة ولم تصدر الحياة بعد حكمها على هذا الوضع للمرأة، أهو خير أم شر؟، صالح للبقاء و الاستمرار أم لا؟، بل إن الدلائل تشير إلى أن هذا الوضع للمرأة وضع شاذ قلب حياتها، ومسخ طبيعتها،وأن بوادر الضيق قد أخذت تسري في محيط المرأة نفسها، وإن المستقبل القريب سيكشف عن ذلك، خصوصاً أنهم حين قرروا مساواتها بالذكور في الميراث قالوا أيضاً بمساواتها لهم في العمل وفي الإنفاق، فحملوها فوق ما تحتمل، فهي فوق أنها تعمل في البيت ولا يعمل، وتربي النشىء ولا يربي تعمل أيضاً في الخارج، وتنفق على نفسها وعلى من تعول؛ وفي هذا من الظلم والقهر للمرأة ما فيه، عدا عما قد تتعرض له في خروجها إلى العمل من الأذى و الاستغلال والشواهد على هذا الواقع للمرأة عندهم كثير.
* إن الإسلام حين قرر إعطاءها نصف ما أعطى الذكر، رفع عنها عبء الإنفاق، ومشقة العمل، ولم يكلفها شيئاً من ذلك بحال من الأحوال، حتى ولو كانت تملك المال، بل جعلها مكفية المؤنة والحاجة، سواء كانت بنتاً أو أختاً فنفقتها واجبة على أبيها أو أخيها أو من يعولها من الذكور، أو أماً فنفقتها واجبة على زوجها أو أولادها.
فالإسلام إذن قد أعفى الأنثى من كثير من الأعباء المادية و الإلتزامات الاجتماعية في الوقت الذي حمّل الرجل كثيراً من هذه الأعباء و الإلتزامات.
وباختصار فإن الرجل يدفع والمرأة تأخذ، وشتان بين من يُعطي ومن يأخذ؛ والعدل والإنصاف يقتضي أنّ من كانت أعباؤه المادية أكبر أن يُعطى أكثر. والأمر إنما هو أمر توازن بين أعباء الذكر وأعباء الأنثى في الحياة لا أمر محاباة لحساب جنس على جنس آخر، على أن تفضيل الرجل على المرأة في الميراث ليس مطرداً في جميع الحالات- كما رأينا -، فقد تتساوى معه كما في ميراث الأخوة والأخوات لأم، وكما في ميراث الأب والأم في بعض الحالات والجد والجدة في بعض أحوالهم.
قال تعالى في ميراث الإخوة لأم: ((وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ)) [النساء/12] وقال عز وجل في ميراث الأبوين:
((وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ)) [النساء/11]، وبالتالي فإننا نعتبر هذه الشبهة التي أثيرت على الإسلام من قبل أعدائه المتربصين، وتناقلها بعض الجهلة والمقلدين من المسلمين لا تعدو كونها زوبعة
الخلاصة:
¥