1 - قوله:" فصل: في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين جميع الدين أصوله وفروعه باطنه وظاهره علمه وعمله فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان ... " الفتاوى (19/ 155) , فابن تيمية هنا استعمل مصطلح أصول الدين وفروعه في مقام تأصيل كمال الدين وكمال تبليغه , فلو كان مصطلحا منكراً أو مبدعاً من أصله لما استعمله هكذا بإطلاق من غير تنبيه على خطأه له كان خطأ.
2 - ومن ذلك قوله:" أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها قولا أو قولا وعملا , كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد , أو دلائل هذه المسائل.
أما القسم الأول فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر , إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبينه للناس , وهو من أعظم ما أقام الله به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه , وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه والحكمة التي هي سنة رسول الله التي نقلوها أيضا عن الرسول مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب " الفتاوى (3/ 295) , فابن تيمية هنا قسم أصول الدين إلى قسمين - مسائل ودلائل - وذكر أفراد كل نوع , وقرر أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ كل ذلك , وأن الصحابة لم يكن يخفى عليهم شيء من ذلك , فلو كان تقسيم الدين إلى أصول وفروع غير صحيح عنده فكيف استعمله وذكر أقسامه وبين منزلته وأحواله من غير تنبيه إلى كونه بدعة أو خطأ.
3 - ومن ذلك قوله:" والمقصود هنا التنبيه على أن القرآن اشتمل على أصول الدين التي تستحق هذا الاسم , وعلى البراهين والآيات والأدلة اليقينية بخلاف ما أحدثه المبتدعون والملحدون " الفتاوى (19/ 169) , فهو هنا بين أن ثمة أحكاما ودلائل في الشريعة تستحق أن تسمى أصول الدين , وأن الشرع قد بينها ووضحها , وهذا التقرير دليل على إقراره بهذا التقسيم واعتباره له.
4 - ومن ذلك قوله:" والقرآن مملوء من ذكر وصف الله بأنه أحد وواحد , ومن ذكر أن إلهكم واحد , ومن ذكر أنه لا اله إلا الله ونحو ذلك , فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك فإن معرفته أصل الدين وهو أول ما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إليه الخلق وهو أول ما يقاتلهم عليه , وهو ما أمر رسله أن يأمروا الناس به " الفتاوى (17/ 353) ,
5 - ومن ذلك قوله:" فالدين ما شرعه الله ورسوله وقد بين أصوله وفروعه ومن المحال أن يكون الرسول قد بين فروع الدين دون أصوله " الفتاوى (4/ 56).
6 - ومن ذلك قوله عن المتكلمين:" ولو اعتصموا بالكتاب والسنة لاتفقوا كما اتفق أهل السنة والحديث فإن أئمة السنة والحديث لم يختلفوا في شيء من أصول دينهم" درء التعارض (10/ 306).
الأمر الثاني: تصريحه بأن اسم أصول الدين اسم عظيم وأنه غير منكر , وإنما المنكر المعنى الذي ذكره له المتكلمون , فقد قال في معرض نقاشه للمتكلمين:" كما أن طائفة من أهل الكلام يسمى ما وضعه أصول الدين , وهذا اسم عظيم , والمسمى به فيه من فساد الدين ما الله به عليم , فإذا أنكر أهل الحق والسنة ذلك , قال المبطل: قد أنكروا أصول الدين , وهم لم ينكروا ما يستحق أن يسمى أصول الدين , وإنما أنكروا ما سماه هذا أصول الدين , وهي أسماء سموها هم وآباؤهم بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان , فالدين ما شرعه الله ورسوله , وقد بين أصوله وفروعه" الفتاوى (4/ 56) , وهذا الكلام منه يدل على أن الإشكال عنده في ما فسر به اسم أصول الدين , لا في الاسم نفسه فهو اسم شريف مقبول.
الأمر الثالث: تعامله مع لفظ أصول الدين وفروعه على أنه لفظ مجمل , غدا محتملاً لمعاني متعددة منها ما هو صواب وهو ما اعتبره الشرع , ومنها ما هو خطأ وهو ما اعتبره أهل الكلام , ومن ذلك قوله بعد أن ذكر بعض العقائد الكلامية:" فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء أصول الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه الله لعباده.
وأما الدين الذي قال الله فيه:" أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" , فذاك له أصول وفروع بحسبه.
¥