3 - ومن أعظم ضلالاتهم قولهم بأن هذه الأسماء لله مخلوقة، وأنها حادثة غير أزلية، وأن الله كان ولا اسم له في الأزل، وما زال كذلك ما لا نهاية له من الأزمان الأزلية، حتى خلق الخلق، فأحدث له الخلق تلك الأسماء، وأعاروه إياها، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
فهم لا يقرون بأسماء الله على الحقيقة، بل يجعلون كثيراً منها على المجاز [10].
4 - ومن ضلالاتهم أيضاً: تجويز بعض المعتزلة إطلاق الأسماء على الله بمجرد القياس العقلي، ذلك أن معتزلة البصرة زعموا أن أسماء الله غير توقيفية، وأنها تثبت بالقياس، فإذا دلَّ العقل على أن معنى اللفظ ثابتٌ في حق الله جاز إطلاقه عليه سبحانه، وبالغ في ذلك أبو علي الجبائي، حتى سمى الله تعالى بأسماء ينزه الباري عنها، وقد وافق معتزلة البصرة على هذه البدعة: الكرامية، والباقلاني من الأشعرية.
وخالفهم المعتزلة البغداديون، حيث رأوا أنه لا يجوز أن يسمي الله عز وجل باسم قد دل العقل على صحة معناه إلا أن يسمى نفسه بذلك.
ولا شك أن قول البصريين مناقض تمام المناقضة لما أجمعت عليه المعتزلة من نفي الصفات التي تضمنتها تلك الأسماء، فإن إثبات الأسماء بالقياس والعقل إنما يكون للحظ معنى توهموه مناسباً لإضافته لله تعالى، فكيف يثبتون ذلك، ثم يعودون لينفوا كل ما تضمنته تلك الأسماء من معانٍ وصفات، ويزعموا أنها أعلام محضة مترادفة مسلوبة المعاني {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً (82)} [سورة النساء 4/ 82] [11].
ومن العجب أن بعضهم قد استدل بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [سورة الأعراف 7/ 180] على مذهبه من أن كل اسم دل على معنى يليق بجلال الله وصفاته يصح إطلاقه على الله بلا توقيف، فقال عن الآية: إن حسن الاسم باعتبار دلالته على صفات المدح ونعوت الجلال، وكل اسم دل على هذه المعاني كان اسماً حسناً، فيجوز إطلاقه على الله تمسكا بهذه الآية [12].
والتحقيق أن هذه الآية بعينها حجة على أصحاب هذا القول، وقد استدل بها بعض العلماء على قول الجمهور القائلين بالتوقيف في أسماء الله، ذلك أن الألف واللام في قوله سبحانه {وَلِلّهِ الأَسْمَاء} هل (ال) العهد، ولا معهود ولا معروف في ذلك إلا ما نص الله تعالى عليه، ومن ادعى زيادة على ذلك كلف البرهان على ما ادعى، ولا سبيل له إليه، ومن لا برهان له فهو كاذب في قوله ودعواه قال عز وجل {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (111)} [سورة البقرة 2/ 111] [13].
كما أن الله سبحانه قد ذم في الآية نفسها من يلحد أسماءه فقال: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (180)} [سورة الأعراف 7/ 180]، ولا شك أن من الإلحاد أن يُسَمَّى الله بما لم يسم به نفسه [14]، وتسمية الله بما لم يسم به نفسه من الكذب على الله، والإلحاد المذكور في الآية قد فسره ابن عباس بأنه التكذيب [15]، وبهذا ينقلب هذا الدليل عل من قال بالقياس في أسماء الباري سبحانه.
والحاصل أن قول المعتزلة في أسماء الله-وإن كان دون قول الجهمية والفلاسفة في العظم الشناعة [16]،إلا أنه- بما تضمنه من البدع والضلالات - يقرب كثيراً من قول أولئك الغلاة [17].
بل لو تأملنا في قول المعتزلة، وما ذكروه من خلق أسماء الباري سبحانه، فإنه لا بد وأن يكون لخلقها زمناً، ففي الأزمان اللامتناهية-التي كانت قبل خلقها، والتي هي أكبر بما لا حد له من الأزمان التالية لخلقها-يُقال: ما الفرق بين قول الجهمية والفلاسفة والملاحدة الغلاة وبين قول المعتزلة فيما يتعلق بتلك الأزمان؟ الحقيقة أنه لا فرق، بل لا نظن أن أولئك الجهمية الغلاة يخالفون كثيراً في إثبات الأسماء، ولكن (على الطريقة الاعتزالية)، ولهذا كانت غالب ردود السلف في هذه المسألة-كما ستأتي- متجهةً نحو الجهمية والمعتزلة على حدٍّ سواء، فقد كانوا يطلقون لفظ التجهم على كل من نفى الصفات كالمعتزلة ونحوهم [18]، حيث إنهم اشتركوا في أصل التجهم، وإن اختلفوا في بعض تفريعاته، وكما سبق من كلام شيخ الإسلام وغيره أنهم لا يقرون بأسماء الله على الحقيقة، بل على المجاز، والمجاز من أحكامه عندهم جواز نفيه، وإذا استحضرنا
¥