تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك غرق فرعون في البحر , وكذا بعينه الإخبار عن الأمم الماضية , ولهذا كان الإخبار بذلك فيه عبرة لنا كما قال تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب}.

وقد يكون الذي يخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يدركوا مثله الموافق له في الحقيقة من كل وجه لكن في مفرداته ما يشبه مفرداتهم من بعض الوجوه كما إذا أخبرهم عن الأمور الغيبية المتعلقة بالله واليوم الآخر فلا بد أن يعلموا معنى مشتركاً وشبهاً بين مفردات تلك الألفاظ , وبين مفردات ما علموه في الدنيا بحسهم وعقلهم.

فإذا كان ذلك المعنى الذي في الدنيا لم يشهدوه بعد , ويريد أن يجعلهم يشهدونه مشاهدة كاملة ليفهموا به القدر المشترك بينه وبين المعنى الغائب أشهدهم إياه , وأشار لهم إليه وفعل قولا يكون حكاية له وشبها به يعلم المستمعون أن معرفتهم بالحقائق المشهودة هي الطريق التي يعرفون بها الأمور الغائبة فينبغي أن يعرف هذه الدرجات:

أولها: إدراك الإنسان المعاني الحسية المشاهدة

وثانيها: عقله لمعانيها الكلية.

وثالثها: تعريف الألفاظ الدالة على تلك المعاني الحسية والعقلية

فهذه المراتب الثلاث لا بد منها في كل خطاب

فإذا أخبرنا عن الأمور الغائبة فلا بد من تعريفنا المعاني المشتركة بينها وبين الحقائق المشهودة والاشتباه الذي بينهما , وذلك بتعريفنا الأمور المشهودة ثم إن كانت مثلها لم يحتج إلى ذكر الفارق كما تقدم في قصص الأمم , وإن لم يكن مثلها بين ذلك بذكر الفارق بأن يقال ليس ذلك مثل هذا ونحو ذلك.

وإذا تقرر انتفاء المماثلة كانت الإضافة وحدها كافية في بيان الفارق وانتفاء التساوي لا يمنع وجود القدر المشترك الذي هو مدلول اللفظ المشترك , وبه صرنا نفهم الأمور الغائبة , ولولا المعنى المشترك ما أمكن ذلك قط.

وقال الإمام أحمد في "الرد على الزنادقة والجهمية" (47):

فقلنا نحن نقول قد كان الله ولا شيء ولكن إذا قلنا إن الله لم يزل بصفاته كلها أليس إنما نصف إلهاً واحداً بجميع صفاته , وضربنا لهم في ذلك مثلاً فقلنا أخبرونا عن هذه النخلة أليس لها جذع وكرب وليف وسعف وخوص وحجار؛ واسمها اسم شيء واحد , وسميت نخلة بجميع صفاتها؛ فكذلك الله وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد لا نقول إنه قد كان في وقت من الأوقات لا يقدر حتى خلق له قدرة , والذي ليس له قدرة هو عاجز , ولا نقول قد كان في وقت من الأوقات لا يعلم حتى خلق له علماً فعلم , والذي لا يعلم هو جاهل ولكن نقول لم يزل الله عالما قادرا لا متى ولا كيف , وقد سمى الله رجلاً كافراً اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال: {ذرني ومن خلقت وحيدا} , وقد كان هذا الذي سماه الله وحيداً له عينان وأذنان ولسان وشفتان ويدان ورجلان وجوارح كثيرة؛ فقد سماه الله وحيداً بجميع صفاته فكذلك الله , وله المثل الأعلى هو بجميع صفاته إله واحد.

وقال رحمه الله (49): وإنما معنى قول الله جل ثناؤه: {وهو الله في السموات وفي الأرض} يقول: هو إله من في السموات وإله من في الأرض , وهو على العرش وقد أحاط علمه بما دون العرش , ولا يخلو من علم الله مكان ,ولا يكون علم الله في مكان دون مكان فذلك قوله: {لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}.

ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلاً كان في يديه قدح من قوارير صاف, وفيه شراب صاف كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم في القدح فالله , وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه.

وخصلة أخرى: لو أن رجلاً بنى دارا بجميع مرافقها ثم أغلق بابها وخرج منها كان ابن آدم لا يخفى عليه كم بيت في داره , وكم سعة كل بيت من غير أن يكون صاحب الدار في جوف الدار؛ فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه وعلم كيف هو وما هو من غير أن يكون في شيء مما خلق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير