وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: والأقيسة العقلية وهي الأمثال المضروبة كالتي تسمى أقيسة منطقية وبراهين عقلية , ونحو ذلك استعمل سلف الأمة وأئمتها منها في حق الله سبحانه وتعالى ما هو الواجب وهو ما يتضمن نفياً وإثباتاً بطريق الأولى لأن الله تعالى وغيره لا يكونان متماثلين في شيء من الأشياء لا في نفي ولا في إثبات بل ما كان من الإثبات الذي ثبت لله تعالى ولغيره؛ فإنه لا يكون إلا حقا متضمنا مدحا وثناء وكمالا , والله أحق به ليس هو فيه مماثلاً لغيره ,وما كان من النفي الذي ينفي عن الله وعن غيره؛ فإنه لا يكون إلا نفي عيب ونقص , والله سبحانه أحق بنفي العيوب والنقائص عنه من المخلوق فهذه الأقيسة العادلة والطريقة العقلية السلفية الشرعية الكاملة , فأما ما يفعله طوائف من أهل الكلام من إدخال الخالق والمخلوقات تحت قياس أو تمثيل يتساويان فيه؛ فهذا من الشرك والعدل بالله , وهو من الظلم , وهو ضرب الأمثال لله , وهو من القياس والكلام الذي ذمه السلف وعابوه , ولهذا ظن طوائف من عامة أهل الحديث والفقه والتصوف أنه لا يتكلم في أصول الدين , ولا يتكلم في باب الصفات بالقياس العقلي ,وأن ذلك بدعة , وهو من الكلام الذي ذمه السلف , وكان هذا مما أطمع الأولين فيهم لما رأوهم ممسكين عن هذا كله إما عجزاً أو جهلاً.
وإما لاعتقاد أن ذلك بدعة وليس من الدين وقال لهم الأولون: ردكم أيضاً علينا بدعة؛ فإن السلف والأئمة لم يردوا مثل ما رددتم , وصار أولئك يقولون عن هؤلاء إنهم ينكرون العقليات , وأنهم لا يقولون بالمعقول , واتفق أولئك المتكلمون مع طوائف من المشركين والصابئين والمجوس وغيرهم من الفلاسفة الروم والهند والفرس وغيرهم على ما جعلوه معقولاً يقيسون فيه الحق تارة والباطل أخرى , وحصل من هؤلاء تفريط وعدوان , ومن هؤلاء تفريط وعدوان أوجب تفرقاً واختلافاً بين الأمة ليس هذا موضعه.
ودين الإسلام هو الوسط وهو الحق والعدل وهو متضمن لما يستحق أن يكون معقولاً ولما ينبغي عقله وعلمه ومنزه عن الجهل والضلال والعجز وغير ذلك مما دخل فيه أهل الانحراف فسلك الإمام أحمد وغيره مع الاستدلال بالنصوص وبالإجماع مسلك الاستدلال بالفطرة والأقيسة العقلية الصحيحة المتضمنة للأولى , وذلك أن النجاسات مما أمر الشارع باجتنابها والتنزه عنها , وتوعد على ذلك بالعقاب كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: تنزهوا عن البول فإن عامة عذاب القبر منه.
وهذا مما علم بالاضطرار من دين الإسلام, وهي مما فطرت القلوب على كراهتها والنفور عنها واستحسان مجانبتها لكونها خبيثة؛ فإذا كان العبد المخلوق الموصوف بما شاء الله من النقص والعيب الذي يجب تنزيه الرب عنه لا يجوز أن يكون حيث تكون النجاسات , ولا أن يباشرها ويلاصقها لغير حاجة , وإذا كان لحاجة يجب تطهيرها ثم إنه في حال صلاته لربه يجب عليه التطهير؛ فإذا أوجب الرب على عبده في حال مناجاته أن يتطهر له وينزه عن النجاسة كان تنزيه الرب وتقديسه عن النجاسة أعظم وأكثر للعلم بأن الرب أحق بالتنزيه عن كل ما ينزه عن غيره.
"بيان تلبيس الجهمية " (2
536)
والله أعلم
ـ[عبد المصور]ــــــــ[28 - 05 - 08, 05:52 م]ـ
جزاك الله خيرا أخي على هذا التفصيل
زادك الله علما و فضلا
ـ[أبو طاهر الوراق]ــــــــ[31 - 05 - 08, 01:32 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبوسما]ــــــــ[31 - 05 - 08, 03:45 م]ـ
جزاكم الله خيراً
ـ[أبو الحسن عبيد]ــــــــ[01 - 06 - 08, 07:55 م]ـ
بارك الله فيكم
ـ[محمد براء]ــــــــ[05 - 06 - 08, 05:31 م]ـ
-هذه الأكواب مستحيلة .. لأنها يجب أن تكون شفافة وغير شفافة في وقت واحد.
-لعلك تعني أن كونها قوارير يلزم عنه شفافية .. وكونها من فضة يلزم عنه العكس ...
-بالضبط ... وخيالك المسكين مهما تحاذق سيرجع خاسئا وهو حسير .. فإن استحضر الزجاج غابت عنه الفضة .. وإن استحضر الفضة غاب عنه الزجاج ...
قد يقتفي أثر الفضة وهي " تشحذ" و"تدق" و"تلطف" حتى تصبح شفافة .. لكن أين هي الفضة بعد إذ صارت شفافة .. !!
وقد يقتفي أثر الزجاجة وهي تثخن و"تتمعدن"و"تتفلز" حتى تصير فضة .. ولكن أين الزجاج بعد إذ صار فضة.!!
تركيب الصورة متعب جدا .. هل سمعت عن سيزيف!
-حقا هذا ترويض للذهن صعب جدا .. أشعر معه بصداع ودوار .. ما رأيك لو وقفنا عند الفهم الأول ... أو-إن شئتت-عند أول الفهم.
بارك الله فيك ..
لا أحسبك وفقت في اختيار هذا المثال ..
فالمراد - والله أعلم - كما ذكره الإمام الطبري عن مجاهد وقتادة رحمهم الله تعالى: فيها رقة القوارير في صفاء الفضة.
قال ابن عاشور رحمه الله: " وفعل {كانت} هنا تشبيه بليغ، والمعنى: إنها مثل القوارير في شفيفها، وقرينة ذلك قوله: {من فضة}، أي هي من جنس الفضة في لون القوارير لأن قوله {من فضة} حقيقة فإنه قال قبله {بآنية من فضة} ".
فلا اظن أن التصور - بعد فهم المعنى - صار صعباً!.
وعندها يزول الإشكال الذي أقمته بقولك: " أن كونها قوارير يلزم عنه شفافية .. وكونها من فضة يلزم عنه العكس " وبأن هذه الاكواب مستحيلة .. .
أما صفات الله تبارك وتعالى فإنه ليس كمثله شيء .. لذلك لا يمكن تصور كيفيتها ..
¥