ومن الذين تأثروا بالتعاليم الشيعية أيضا: منذر بن سعيد البلوطي (ت355 ه) (16) ,فبالرغم من أن مذهبه في الفروع كان مذهب النظارو الإحتجاج و ترك التقليد, وكان يميل إلى رأي داوود الظاهري و يحتج له, إلا أنه في الأصول كان يذهب مذهب أهل الكلام بصيرا بالجدل لهجا بالإحتجاج, وقد تأثر ببعض الأراء الشيعية, ومن مظاهر هذا التأثر ما نقل عنه من أراء عمد فيها إلى تأويل القرأن الكريم تأويلات باطنية, وكان في ذلك متأثرا بالتأويلات الشيعية.
و منهم أيضا: عبادة بنت عبد الله بن عبادة (ت419ه) (17) الذي كان يتشيع و يتعصب ضد بني أمية (18).
و لم يقتصر التشيع على الأفراد بل تعداهم إلى الدولة, حيث قامت دولة الحموديين (19) على أصول شيعية إلا أن تشيعهم لم يكن ظاهر المعالم كما هو الشأن بالنسبة للدولة البويهية (20) في إيران, بل كان تشيعهم أقل تطرفا ليس في الإعتقاد, ولكن في سلوكهم مع الرعية و سياستهم, حيث إنهم أخذوا من المذهب الشيعي بالقدر الذي يحقق لهم مصالحهم السياسية.
نعم إنهم كانوا يدينون ببعض المبادئ الشيعية مثل القول بأنه "لا تتم ديانة إلا بإمام", و أنه يجب على كل مسلم أن يعرف إمام زمانه, إلا أنهم لم يحاولوا فرض هذه المبادئ على غيرهم, و السبب في كونهم أقل تطرفا هو بغض الناس لهم و كراهية الأندلس للإتجاه الشيعي, لأن الاتجاه السني كان هو السائد في الأندلس (21).
و لكن على الرغم من ذلك , فقد انتشرت في عهد الحموديين الدعوة الشيعية و ثقافتها انتشارا واسعا, وانتشرت كتبهم و مؤلفاتهم عن طريق الرحالة الشيعة الذين قدموا إلى الأندلس من بغداد التي كانت أنذاك مركزا مهما من مراكز الشيعة في العالم الإسلامي.
و من هؤلاء الرحالة الذين انتشر بهم المذهب الشيعي و الثقافة الشيعية في تلك الفترة: أبو الحكم عمر بن عبد الرحمان الكرماني القرطبي (ت485 ه) (22) فهو أول من أدخل رسائل إخوان الصفا إلى الأندلس, و هي رسائل ذات نزعة شيعية واضحة حتى أنها نسبت إلى بعض الأئمة العلويين (23) , وكذلك انتشر المذهب الشيعي الذي قوي في عهد بني بويه ببغداد (أواخر القرن الرابع و بداية الخامس) االذي كان أزهى عصور الادب الشيعي, ففي ظله نشأ بديع الزمان الهمذاني (ت398ه) (24) , ومن الشعراء الشريف الرضي (ت405ه) (25) ومهيار الديلمي (ت428ه) (26).
الهوامش
(1) هو عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر, كبير الثوار و منازع الخلفاء بالأندلس أصله من رندة توفي سنة 306ه. مصادر ترجمته: الإحاطة في أخبار غرناطة (4 - --38 - 42).
(2) كان عالما أثيرا عند الخلفاء المروانيين و لم أعثر على سنة وفاته. مصادر ترجمته: البيان المغرب (1 - 32).
(3) و لي سلطنة الأندلس ما بين سنتي 206 و 238 ه, وكانت ولادته سنة 176ه, له من الأولاد أكثر من مئة من الذكور و الإناث, كان عالما بعلوم الشريعة و الفلسفة, و كان من أهل التلاوة و الإستظهار للحديث, وكان يداخل كل ذي علم في فنه. مصادر ترجمته "البيان المغرب" 2 - 82, نفح الطيب 1 - --344 - 350.
(4) هو إبراهيم بن أحمد الشيباني يكنى بأبي اليسر و يغرف بالرياضي الكاتب, أصله من بغداد و بها نشأ و قرأ على جلة محدثيها و فقهائها, وتتلمذ على كبار أهل عصره كالجاحظ و دعبل الخزاعي و ثعلب, ثم تاقت نفسه إلى الترحال فقصد الأندلس أيام أميرها محمد بن عبد الرحمان ثم قصد أفريقية (تونس) و استقر بها أيام بني الأغلب, وأصبح رئيسا لبيت الجكمة, إلى أن غلب العبيديون على االملك فدخل في خدمتهم وانضم إلى دعوتهم, واستمر في وظيفته تلك إلى أن توفي سنة 298ه. مصادر ترجمته: "التكملة " لابن الأأبار (1 - --193 - 194) أعلام المغرب العربي (1 - --29 - 30).
(5) هذه الندرة في الأخبار عن هؤلاء الشيغة تلاحظ منذ بداية الحديث عن التشيع, ولعل ذلك ناتج عن سببين: الأول: اختفاء هؤلاء و نشاطهم في السر خوفا من بأس أهل السنة, وهي طريقة المبتدعة في كل عصر, و الثاني: عدم اهتمام أهل العلم بالترجمة لهم, لأنهم في اعتقادهم ليسوا علماء.
(6) هو محمد بن عبد الرحمان بن الحكم, ولد سنة 207ه وتولى الملك بعد وفاة أبيه سنة 239ه, و كان أميرا ذكيا فطنا, وفي عهده بدأت طلائع الثورة التي اضطلع بمقاومتها مدة حكمه الذي امتد خمسا وثلاثين سنة توفي سنة 273ه.
¥