تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكان ابن تيمية يقول: «والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين، وطلباً لاتفاق كلمتهم، واتباعاً لما أُمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة .. » [6] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn6_ftn6).

وإذا انتقلنا إلى مفارقة الأشاعرة للسُّنة، ومجانبتهم سبيل الشرع والعقل والفطرة، فإن هذه المفارقة في قضايا رئيسة وعديدة، ومبسوطة في مواضعها، وقد أجاد الشيخ سفر الحوالي - شفاه الله وعافاه - في تحرير ذلك، بأسلوب بليغ، وتقرير متين، كما في رسالته «منهج الأشاعرة في العقيدة» [7] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn7_ftn7).

ومن هذه المفارقات أن السُّنة تُقرر أن أول واجب هو توحيد الله - عز وجل - وعبادته وحده كما في حديث معاذ مرفوعاً «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» أخرجه البخاري ومسلم، وأما أول واجب عند الأشاعرة؛ فهو النظر أو القصد إلى النظر [8] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn8_ftn8).

ودلالة القرآن لا تفيد اليقين، كذا وخبر الآحاد لا يفيد العلم عند جمهور الأشاعرة [9] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn9_ftn9)!

فإن كان القرآن - وهو الهدى والنور والرحمة والشفاء - لا يُحقق بَرْدَ اليقين، ولا يحصل بالسُّنة العلم والرسوخ .. أفيظن أن العلم واليقين متحقق بفلسفة اليونان الوثنية أو زندقة المعتزلة الكلامية؟

ولذا حلّ بالقوم الوحشة والقلق، والحَيرة والشكوك؛ فالآمدي حائر واقف في المسائل الكبار، والرازي يستوحش من روحه التي بين جنبيه! وتلميذه الخسروشاهي يبكي قائلاً: والله ما أدري ما أعتقد .. (قالها ثلاثاً!) [10] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn10_ftn10).

وافتعل الأشاعرة تعارضاً بين النقل والعقل، كما في «القانون الكلي» للرازي وسَلفه، فقدموا ما ظنوه معقولاً - وهو في الحقيقة وهمٌ ومجهول - على نصوص الوحيين، وأعملوا التأويل الفاسد في المنقولات [11] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn11_ftn11)، أو سلكوا سبيل التجهيل والتفويض والتضليل! بدعوى التوفيق والتلفيق بين النقل والعقل!

والحق أن النقل الصحيح يتفق تماماً مع العقل الصريح، كما بسطه ابن تيمية في كتابه النفيس «درء تعارض النقل والعقل» .. ولا عجب أن يجعل ابن القيم هذا القانون الكلي طاغوتاً يتعيّن كسره وإبطاله، كما فعل - رحمه الله - في كتابه (الصواعق المرسلة).

ومن نماذج المفارقات أن القوم يثبتون سبعاً من الصفات الإلهية، وينفون سائرها، مع أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، والقول في الصفات كالقول في الذات. وفارقَ الأشاعرة السُّنَة في القَدَر، فمالوا إلى الجبر، ونفوا الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى، وأنكروا الصفات الاختيارية، ونفوا التحسين والتقبيح العقليين. وأما في الإيمان فقد نصروا قول الجهم بن صفوان، فجعلوا الإيمان مجرد تصديق، فأخرجوا أعمال القلوب والجوارح وقول اللسان من تعريف الإيمان! وحجَّروا دلائل النبوة - والتي هي أكثر من أن تُذكر وأشهر من أن تحصر - وضيقوا ما وسَّع الله، فزعموا أن النبوة لا تثبت إلا بالمعجزة ..

والمقصود أن مفارقات الأشاعرة للسُّنة كثيرة وشنيعة، حتى قال بعضهم: إن الأشاعرة خالفوا أهل السُّنة في جُلّ مسائل الاعتقاد إلا الصحابة والإمامة ..

والحقيقة أن الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - لم يسْلَموا من لمزٍ وتعريض .. إذ زعم الأشاعرة أن مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم «فيصفون إخوانهم بالفضيلة في العلم والبيان والتحقيق، والسلفَ بالنقص في ذلك والتقصير فيه، ولا ريب أن هذا شعبة من الرفض» [12] ( http://docs.google.com/Edit?docid=d4rg5b6_1dkcjbkfx#_ftn12_ftn12).

أفبعد هذه المفارقات والضلالات يقال: إن الاشاعرة أرباب سُّنة واتباع؟! إن بين هذا التمشعر المتهافت وبين السُّنة النبوية مفاوز بعيدة وشاسعة تنقطع فيها أعناق المطي!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير