وبمثل هذه الأجوبة السهلة الواضحة المستقاة من النصوص بألفاظ موجزة والتي ملؤها التصديق والتسليم كان السلف يجيبون
فعن أبي زرعة الرازي الإمام الحافظ شيخ مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحد أشهر أئمة السلف وأرفعهم:
لما سئل عن تفسير قوله: (الرحمن على العرش استوى) قال:
تفسيره كما يُقرأ، هو على العرش وعلمه في كل مكان ; ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله.
رواه الحافظ الهروي في ذم الكلام بإسناد ثابت،فيه جد الحافظ القراب قد روى عنه جمع من الحفاظ وكان معروفا وباقي رجاله أئمة حفاظ
وعن يزيد بن هارون الإمام الجليل شيخ الإمام أحمد قال:
" من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يَقرّ في قلوب العامة فهو جهمي "
ذكره البخاري في خلق أفعال العباد وأسنده ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية وعبد الله بن أحمد في السنة وابن بطة في الإبانة من طريقين وإسناده صحيح
وقال بنان بن أحمد:
كنا عند القعنبي رحمه الله فسمع رجلا من الجهمية يقول الرحمن على العرش استوى فقال القعنبي:
من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما يقر في قلوب العامة فهو جهمي " ا. هـ
نقله الذهبي في العلو
فبالله عليكم هل بعد هذا الوضوح من وضوح؟ وهل بعد هذا البيان
من بيان؟ وهل من بساطة ويسر بعد هذا؟
هاهم أئمة السلف يصرحون ويبينون أن المعنى الظاهر المتبادر إلى فهم كل قارئ لهذه النصوص هو الذي يجب إثباته والإيمان به، وما سواه فهو تحريف.
وكل هذه الأجوبة الإيمانية عن معاني كلٍّ مِن هذه النصوص هي أجوبة قائمة على التصديق والتسليم بما جاء به الوحي، ودافعها الصدق في طلب مراد الله ومراد رسوله، ويزينها أدب التعامل مع أخبار الله ويميزها السلامة من آفات التكلف والتنطع والمراوغة والسفسطة الزائفة
وهذا هو دأب السلف مع كل نصوص الصفات يمرونها كما جاءت، إذ هي جاءت ألفاظا ذات معاني، و لم تأت ألفاظا صماء كما يزعم أهل البدع
كما أن نصوص الصفات كلها والتي بلغت الآلاف، بشهادة جمع من الأشاعرة عندما قالوا بأنها بلغت مبلغا عظيما في العدد، فهي لم تأت كلُّها على خلاف ظاهرها ولا جلها ولا كثير منها كما يزعم الأشاعرة
فحمل هذا الكم على خلاف الظاهر وخلاف المتبادر إلى الفهم يصادم وضوح الدين ويسره، ويناقض بيان القرآن ووظيفته وكونه مصدر هداية ونور، فالقرآن مليء بوصف نفسه أنه مبين وآياته بينات ونحو
هذه المعاني، ويعارض مكانة السنة ومهمتها وكونها محجة بيضاء
ومصدر إيضاح وتبيين.
فالوحي إنما نزل للهداية وليكون سبيل نجاة للعبد، ولم ينزل لتضليل الناس وتتويههم! فيقرر معاني باطلة ويطلب منهم الإيمان بضدها!
وعليه فما ينادي به طوائف التعطيل من الأشاعرة وغيرهم من دعوى ضرورة إلغاء ظواهر هذه النصوص، ومن الإشتغال بتأويلها هو منهج باطل وطريق منحرف، إذ حقيقته تحريف للنصوص وتكذيب بالوحي وإن أُلبس شعار التنزيه ودفع التشبيه.
فكل مبطل محرّف على وجه هذه الدنيا مهما كان باطله فإنه يستحيل أن يدعو الناس إلى مذهب يعترف فيه بأنه محرَّف ومكذوب ولو كان باطله يصيح بالضلال وإنما لابد من أن يستخدم الشعارات
وعليه فلن تغرنا هذه الشعارات الوهمية التي ينادي بها نفاة الصفات كالتنزيه ونفي التشبيه والتي حقيقتها عندهم الرفض والرد والإلغاء والتكذيب لنصوص الوحي.
وكفى بالتأويل أنه باتفاق أولئك الأشاعرة أنه لا يقود إلا إلى ظن عار عن اليقين لا يخالف في هذا أشعري بصير بمذهبه.
وصدق تعالى إذ يقول: (إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)
وهكذا جل أهل الباطل إنما أوقعهم في الضلال هو ذلك القدر من
الظن الذي يُشعِرهم بأنهم على الحق ويُعتّم عليهم بحسب حجمه جانب
الهوى الكامن في قلوبهم ويخفي عنهم الشعور به.
وهكذا امتزاج الظن بالهوى يساعد الشيطان على قيادة صاحبه إلى العناد والتعصب بإبرازه دائما لجانب الظن وإخفاء جانب الهوى وهذا هو مصداق الآية
ونجيب هؤلاء الذين يدعوننا لرفض وردِّ ما جاءت به نصوص الصفات من دلالات ظاهرة بما يلي:
ـ نقول لهم إنكم في حقيقة الأمر تدعوننا لمخالفة المفهوم الواضح للنص واتباع ما تمليه عليكم عقولكم من مفاهيم تحت ما سميتموه زورا بالتأويل وهذا غاية في الاستخفاف بالغير
¥