النيران معهم، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين.
فإن خالفوا شيئا مما شرطوه، فلا ذمة لهم، وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق).
ثم قال ابن القيم: (وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها، ثم ذكر أقوال الأئمة في أحكام الكنائس).
ثم قال: (ومتى انتقض عهدهم، جاز أخذ كنائس الصلح منهم، فضلا عن كنائس العنوة، كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لقريظة والنضير لما نقضوا العهد، فإن ناقض العهد أسوأ من المحارب الأصلي).
ثم قال: (ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الشروط المشهورة عنه: (ألا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية)، امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تكون قبلتان في بلد واحد" رواه أحمد، وأبو داود بإسناد جيد، ولما روي عن عمر رضي الله عنه: (لا كنيسة في الإسلام) وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار ومذهب جمهورهم في القرى.
وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به، وذكر منهم: عمر بن عبدالعزيز، وأنه أمر بهدم الكنائس في اليمن، وذكر عن الحسن أنه قال: من السنة أن تهدم الكنائس في الأمصار القديمة والحديثة، وذكر من الخلفاء: الرشيد والمتوكل، وأنه استفتى العلماء في وقته فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلى الإمام أحمد، فأجابهم بهدم كنائس السواد وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين).
ثم قال ابن القيم: (وملخص الجواب أن كل كنيسة في مصر والقاهرة والكوفة والبصرة وواسط وفي بغداد ونحوها من الأمصار التي مصرها المسلمون بأرض العنوة، فإنه يجب إزالتها إما بالهدم أو غيره، بحيث لا يبقى لهم معبد في مصر مصره المسلمون بأرض العنوة، سواء كانت تلك المعابد قديمة أو محدثة، لأن القديم منها يجوز أخذه ويجب عند المفسدة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجتمع قبلتان بأرض، فلا يجوز للمسلمين أن يمكنوا أن يكون بمدائن الإسلام قبلتان إلا لضرورة؛ كالعهد القديم، لا سيما وهذه الكنائس التي بهذه الأمصار محدثة يظهر حدوثها بدلائل متعددة، والمحدث يهدم باتفاق الأئمة).
ومن عدل الإسلام أن ينزل المسلمين منزلتهم وأن ينزل الكافرين منزلتهم، فشتان ما بين المسلمين والكفار.
ومن الحيف والجور المساواة بينهم في الدماء وغيرها، قال صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم .. . ولا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ". وعن علي رضي الله عنه مرفوعا: (وأن لا يقتل مسلم بكافر).
وقد أحل الله للمسلمين نكاح الكتابيات، وحرم على المشركين والكتابيين نساء المسلمين، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "دية المعاهد نصف دية الحر".
تأمل هذه الأدلة والشروط العمرية وما بني على ذلك كله من أقوال أئمة الإسلام في معاملة أهل الذمة في كنائسهم ولباسهم وركوبهم وسائر ما ذكر من شؤون حياتهم، وقارن بين ذلك وبين ما يقرره بن باديس من أخوة إنسانية و حرية عقائد وأديان ومن المساواة بين المسلمين وأهل هذه الأديان، وتساءل من أين جاء بن باديس بهذه التقريرات التي ينسبها إلى الإسلام؟
نعم، إذا وفى أهل الذمة بالعهد والشروط المضروبة عليهم، وأدوا ما عليهم فإن على المسلمين أن يوفوا بعهودهم، وتحرم حينئذ دماؤهم وأموالهم، كما تجب على المسلمين حمايتهم من العدوان الداخلي والخارجي.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما".
¥