تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الزم الثغر والتواضع فيه ... ليس بغداد منزل العباد

وكذلك ذكر عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو محمد الأنصاري (369هـ) في كتابه، أنه سمع أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي من الصوفية الكبار، أنه قال: (سُمِيت الصوفية باسم الصوفية لأنهم قوم عملوا بحقائق الدين وحققوا العمل للآخرة بالزهد في الدنيا والتقلل، وكان لباسهم الصوف من إحدى تلك الحقائق فكان ظاهرًا ففارقوا به الناس فسموا به).

وذكر أبو نعيم الأصبهاني في (الحلية) أنَّ لباس الصوف هو اختيار الصوفية.

بل إن القشيري نفسه قال: (قال أبو سليمان الداراني: الصوف علم من أعلام الزهد)!!

[2] المعاصرون للقشيري.

وممن احتج بهم الأخ لطف الله الإمام الصوفي الهجويري، ويا ليته –وهو المختصص خمسة عشر عامًا في التصوف- قلَّبَ كتاب (كشف المحجوب) قليلاً، لوجد أنه بعد صفحاتٍ يسيرة عقدَ بابًا كاملاً بعنوان: (باب في لبس المرقعة).

قال فيه: (اعلم أن لبس المرقعة شعار المتصوف، ولبس المرقعات سنة، ومن هنا قال الرسول عليه السلام: "عليكم بلباس الصوف تجدون حلاوة الإيمان").

ثم شرع في إيراد الروايات والآثار التي تحث وتخص لباس الصوف بالأجر والثناء ومزيد الفضل. ثم ساق أسماء مشاهير أولياء وأئمة الصوفية الذين لبسوا الصوف.

قال: (أمر داود الطائي رحمه الله بلبس الصوف، وكان من الصوفية المحققين).

وقال: (كان الشيخ محمد بن خنيف رضي الله عنه يرتدي لمدة عشرين عامًا ثوبًا من الصوف الغليظ ويعتكف).

ثم عقدَ فصلاً تحدث عن تصوف زمانه؛ فقال فيه: (فصل: وأما ترك عادة هذه الطائفة فلا يكون شرطًا في طريقتهم، وقلة ارتدائهم ثياب الصوف الآن له معنيان .. إلخ).

[3] اللاحقون للقشيري.

قال السهروردي (632هـ) في (عوارف المعارف): (نُسبوا إلى ظاهر اللبسة، وكان ذلك أبين في الإشارة إليهم وأدعى إلى حصر وصفهم، لأن لبس الصوف كان غالبًا على المتقدمين من سلفهم .. فالقول بأنهم سموا صوفية للبسهم الصوف أليق وأقرب إلى التواضع .. ولم يزل لبس الصوف اختيار الصالحين والزهاد والمتقشفين والعباد).

وأنشد عبد الغني النابلسي في (ديوانه):

واجعل معاشك من خبز الشعير ومن ... ماء وإن لم يكن عذبا فتغترف

وخرقة الصوف طول العمر تلبسها ... مع صاحب أو صحاب أنت تأتلف

وقال عبد الرؤوف المناوي قي (فيض القدير): (وقد أمر الشارع بالتوسط بين التفريط والإفراط حتى في العبادة وفيه رد على من تحرى من الصوفية لبس الصوف دائما ومنع نفسه من غيره وألزمها زيا واحدا وعمد إلى رسوم وأوضاع وهيئات ويرى الخروج عنها منكرا).

[4] من غير الصوفية.

قال ابن خلدون عن الصوفية: (وهم في الغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفه الناس في لبس فاخر الثياب إلى لبس الصوف فلما اختص هؤلاء بمذهب الزهد و الانفراد عن الخلق و الإقبال على العبادة اختصوا بمآخذ مدركة لهم).

وهو رأي ابن تيمية.

وقال ابن القيم في (الزاد): (وذكر الشيخ أبو إسحاق الأصبهاني بإسناد صحيح عن جابر بن أيوب قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين وعليه جبة صوف وإزار صوف وعمامة صوف، فاشمأز منه محمد وقال: أظن أن أقواما يلبسون الصوف ويقولون قد لبسه عيسى ابن مريم .. ومقصود ابن سيرين بهذا أن أقواما يرون أن لبس الصوف دائما أفضل من غيره فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره).

وقال بدر الدين العينى الحنفي في (معانى الأخيار): (الصوفى: نسبة إلى لبس الصوف، منهم الطائفة التي تسمى بالصوفية، وأكثرهم أهل بدع وضلال).

وقال الشيخ علي بن سلطان محمد القاري في (مرقاة المفاتيح): (وأما أكثر طوائف الصوفية فاختاروا لبس الصوف).

فهذه جملة يسيرة -من كثير- من أقوال أئمة الصوفية وغيرهم تبين أن لباس الصوف كان شعارًا ورمزًا للصوفية. فلماذا يرفض د. لطف الله كل هذا ويُتمسك بنص القشيري فقط، ثم يبني عليه أن الصوفية لم يشتهروا ولم يُعرفوا بلبس الصوف قديماً ولا حديثاً؟

ثالثاً: أنَّ الأخذَ بقولِ صوفيٍ واحدٍ، ثم تحميله ما لا يحتمل، لا يُعتبرُ دليلاً فضلاً أن يكون برهانيًا، فضلاً أن يكون ناقضًا لحقائقَ مشهورة مقررة، فأين منهجية البحث العلمي؟

ألم يرد الأخ لطف الله قول الكلاباذي في اختياره أحد معاني التصوف، والسبب كما قال لطف الله: (هذا قول يحتاج إلى دليل، ولم يستند إلى شيء، ولم أره لغيره).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير