تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبنفس المنطق: فإنَّ قولَ القشيري –حسب فهم د. لطف الله- قول يحتاج إلى دليل، ولم يستند إلى شيء، ولم أره لغيره، بل خالفه الصوفية في ذلك.

فلماذا قبل أخونا د. لطف الله كلام القشيري ورفض كلام الكلاباذي؟! وتتضح خطورة هذا الانتقاء حين نعلم أن د. لطف الله سيبني عليه أن الصوفية فكرة فلسفية واحدة واردة من خارج البيئة الإسلامية.

رابعاً: إذا سلمنا –جدلاً- بصحة قول القشيري وهو: "إنَّ الصوفية لم يختصوا بلبس الصوف"، فمن أين للدكتور لطف الله أنهم اعرضوا عن لبسه؟ وأنهم لم يُعرفوا بهذا اللباس، لا قديما ولا حديثًا؟ فهذا المعنى زائدٌ جدًا على ما قاله القشيريُ، فأين الدليل البرهاني هنا؟!

خامساً: قال د. لطف الله: (التصوف فكرة ونحلة .. وبناء على هذا: إن أردنا التعرف على دين أو نحلة أو فكرة ما .. لا يصح أن نلجأ إلى المنتسبين فنعتمدهم مصدرًا).

يريد لطف الله بهذا الكلام أن المنتسب الذي لم يحقق معنى التصوف، لا يصلح أن يكون مصدراً لتعريفهِ وفهم معناه. وعليه فقد كان من المفترض ألا يصح الاستدلالُ بكلام القشيري والهجويري كمصدرٍ معتمدٍ يشرح معنى التصوف، إلا في حالة واحدةٍ، وهي ما إذا كان الدكتور يرى أن القشيري والهجويري متحققين بالتصوف الفلسفي –الذي هو عنده غير معتدل وزندقة ومضاد للإسلام-!!.

سادساً: كلام القشيري –لو سُلمت دلالته- فهناك إشارات قد تحمل كلامه على أنه يتحدثُ عما غلب ووقع فيه زُهَّادُ عصره، ومتصوفة زمانه، حيث لُبِسَ التصوف للدنيا والشهوات، فلم يَعد مختصًا على الصوفية الحقة كما يراها هو.

فقد جاء ما نصه في رسالته: (هذه رسالة كتبها .. القشيري .. إلى جماعة الصوفية ببلدان الإسلام في سنة 437هـ .. اعلموا رحمكم الله، أنَّ المحققين من هذه الطائفة انقرض أكثرهم ولم يبق في زماننا هذا من هذه الطائفة إلا أثرهم .. حصلت الفترة في هذه الطريقة، لا بل اندرست الطريقة بالحقيقة، مضى الشيوخ الذين كان بهم اهتداء).

فهنا يُقرر -حسبَ رأيه هو- أنَّ الطريقة الصوفية اندرست، فإن كانت شهادة على غير عصره فقد ردها أهل ذلك العصر، وإن كان شهادة على عصره، فقد بررها أحد أئمة الصوفية المعاصرين زمانه، وهو الهجويري.

قال الهجويري: (وقلة ارتدائهم ثياب الصوف الآن، له معنيان، أحدهما: أن الأصواف تشعثت والأنعام انتقلت في الغارات من مكان إلى مكان. والثاني: أنَّ طائفة من أصحاب البدع اتخذوا رداء الصوف شعارًا لهم، ومخالفة شعار أهل البدع سنة ولو مخالفة للسنة).

فالهجويري –الذي احتج به لطف الله- يؤكد أنَّ الأصلَ في الصوفيّة لبس الصوف، وأنه شعارهم وعادتهم المعروفة، لكنهم في عصره أخذوا في التقلل منه بسبب ما ذكره.

ومن هنا نتساءل: كيف يمكن أن يرد –باحثٌ أكاديميٌ متخصصٌ في التصوف- جميعَ تلك الدلالاتِ التي تثبت أنَّ الصوف شعارَ الصوفية، لأجل نصٍ واحدٍ يتيمٍ ذي دلالةٍ محتملةٍ؟

فهل وقف الأخ لطف الله على تلك النصوصِ وتجاهلها وتمسك بنص القشيري وحده؟ أو أنه لم يقف عليها أصلاً –رغم كثرتها وشهرتها-.

سؤال يضع علامات تعجب كبرى، أياً كان جوابه.

(2) تقييم الدليل الثاني:

لعل الأخ لطف الله استشعر ضعف دليله فحاولَ تدعيمه وتقويته بدعوى أنه لم يسمع بإمام صوفي، لا من معاصريه، ولا من أتى بعده، انبرى للرد على كلام القشيري وإبطال قوله. فالجميع –في رأيه- سكتوا موافقين للقشيري، فهل يعقل أن يكذب القشيري في شهادته، أو يخطئ، ثم يسكت عنه جميعهم، من أولهم إلى آخرهم، مع ظهور المسألة، وعدم خفائها؟ بل –يواصل الأخ لطف الله-: لم يعترض أحد من المتصوفة بإنكار على هذا التقرير، لا من المعاصرين لهما، ولا من اللاحقين. أفلا يدل هذا على إقرارهم وتسليمهم بهذا التقرير؟

وللتعليق على هذا الدليل؛ أقول:

لأنَّ في المدارسة فوائد، فأول فائدة هنا تظهر هي: أن هذا الدليل قويٌ جدًا بنبرته الواثقة وخطابيَّته القوية فقط لا غيرَ. أما مضمونه فلا أساس له من الصحة ألبتة، فكلام أخي الدكتور لطف لله لم يقم على أساس دراسةٍ ومعرفةٍ بمحتويات بطون كتب الصوفية، وخبرةٍ في مصادرهم، بل هو مجرد تخميناتٍ وافتراضاتٍ لم تقم على استقراء حقيقيٍّ، يدعمه منطق البحث العلمي إطلاقًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير