تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الكلام.

الشيخ يقول: من تدبر هذا الكلام، الذي فضل طريقة السلف على طريقة الخلف، وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة، كيف يكون هؤلاء المتأخرون، لا سيما والإشارة بالخلف، إلى ضرب من المتكلمين، الذين كثر في باب الدين اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله حجابهم، نعم. من أكثر الناس اضطراب اختلاف، هم أهل الكلام، كما ذكر الغزالي في النقل الأخير، الذي ذكره شيخ الإسلام، أكثر الناس شكا عند الموت هم أهل الكلام، والدليل على أنهم أكثر الناس اضطرابا، هذه الأمثلة التي أوردها الشيخ، أوردها عن كبار أئمتهم، الذين يصغون ويردون على آرائهم وأقوالهم، فأول هؤلاء يقول: وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم، بما انتهى إليه من مرامهم، أي بما انتهى إليه نهاية أمرهم، وهو الشهرستاني، الشهرستاني من كبار أئمة المتكلمين، هو الذي قال هذين البيتين، أو نقلهما متمثلا بهما:

لعمري لقد طفت المعاهد كلها * وسيرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أرى إلا واضع كف حائر * على ذقن أو قارعا سن نادم

لهذا علق على هذين البيتين الشيخ -رحمه الله- فقال: فأخبر أنه لم يجد إلا حائرا شاكا مرتابا، أو من اعتقد ثم ندم، لما تبين له خطأه، بمعنى أنهم أحد اثنين، هؤلاء الذين تبحروا في هذا العلم -علم الكلام- إما أن يصل أمره إلى الشك والحيرة والاضطراب، وسيرد بعض الأمثلة، وإما أنه يعرف أنه على ضلال، وهذا ما حصل للرازي، وما حصل للغزالي، عرفوا في نهاية المطاف أن هذا الطريق لا يهدي إلى الحق، ولا يلتمس منه الصواب، فأقروا على أنفسهم بذلك، يقول: وأقروا على نفوسهم بما قالوه، متمثلين به، أو منشئين له، فيما صنفوه من كتبهم، كقول بعض رؤسائهم، وهو الرازي، الإمام الفخر الرازي، ذكر ذلك في كتابه أقسام اللذات، والكتاب لا يزال مخطوط، تمثل بهذه الأبيات:

نهاية إقدام العقول عقال * وأكثر سعي العالمين ضلال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا

وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وغاية دنيانا أذى ووبال

وكم قد رأينا من رجال ودولة * فبادوا جميعا مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها * رجال فزالوا والجبال جبال

ثم قال، لاحظوا من هذا، هذا الرازي، هذا المنظر لمذهب الأشاعرة، هذا الذي يعتبر من أعظم أئمة هذا الفن، الذي قعد هذا المذهب، ولهذا الشيخ يقول: لما رأيت، يقوله في -نقض التأسيس- لما رأيت أن جمهورهم -أي جمهور الأشاعرة- يصدرون ويردون على رأي الرازي، رأيت أن أرد على كتابه أساس التقديس، ويعتبر رد على جميعهم، ماذا يقول في نهاية حياته؟ يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا -تشفي مريضا- ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق، طريقة القرآن، إن أردتم الهداية، إن أردتم السلامة، فعليكم بطريقة القرآن، أما طريقة هؤلاء المتكلمين، لا تشفي عليل، ولا تروي غليل، ورأيت أقرب الطرق، أقرب الطرق للهداية، قد يكون عند المتكلمين حق.

وليس معناه أن كل ما عند المتكلمين هو باطل، لا عندهم حق وباطل، لكن الحق صعب المنال، وعَّروا وصعبوا الطريق في الوصول إلى الحق، بهذه المناهج التي سلكوها، أما طريقة القرآن فلا، طريقة سهلة، طريقة يسيرة، فهذا اعتراف من إمام من أئمتهم، أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إثبات أيش؟ صفة الاستواء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ إثبات صفة العلو، واقرأ في النفي بمعنى اترك هذه المقدمات الكلامية، المقدمات المنطقية، عليك بطريقة القرآن، اقرأ في النفي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا

يقول: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي، ويقول في وصيته، التي نقلها صاحب عيون الأنباء، ونقلها السبكي في طبقاته، يقول في وصيته في آخر حياته، الرازي يقول: ولقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن، لأنه يسعى في تسليم العظمة، والجلال لله، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات، وما ذاك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العميقة، والمناهج الخفية، فلهذا أقول كل ما ثبت بالدلالة الظاهرة من وجوب وجوده، ووحدته وبراءته عن الشركاء كما في القدم والأزلية والتدبير والفاعلية، فذلك هو الذي أقول

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير