أظهرت ما أخفى الفصوص وغيره ... من كل علم حار فيه من دأب
أوضحته من غامض السر **** الذي قد حزته من غير كد أو نصب (3)
الثاني: ما قرره العيدروس في التعامل مع كتب ابن عربي سبق به ما ارتضاه السيوطي بقوله: (والقول الفصل -عندي طريقة لا يرضاها فرقتا أهل العصر لا من يعتقده ولا من يحط عليه وهي اعتقاد ولايته وتحريم النظر في كتبه فقد نقل عنه هو أنه قال نحن قوم يحرم النظر في كتبنا) (4).
الثالث: إن المتأمل لما طفحت به كتب الطريقة الحضرمية يجد أثرا واضحا بمصطلح القطبية والحقيقة المحمدية والشطحات وغير ذلك من عقائد ابن عربي التي تسللت إليها لواذا، مما يدل على مجانبة هذه الوصية من الناحية العملية على الأقل وما خلعوه من خصائص على الأقطاب تتنافى مع مقام الربوبية فضلا عن الانحراف في توحيد الألوهية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المقام الثالث: الرد على جماعة ابن عربي
وهذا هو بيت القصيد من الموضوع؛ حيث تبلور دفع الفقيه تقي الدين لصيال جماعة ابن عربي في كتاب أفرده لهذا الشأن أسماه (حقيقة التوحيد وصحيح الاعتقاد في تكفير طائفة الوحدة والاتحاد)، ولكننا بكل أسف لم نجد له أثرا، ولا سبيل للوصول إليه.
حَلّتْ بأرْضِ الزّائرينَ، فأَصْبَحَتْ ... عَسِرًا عليّ طِلابُكِ ابنة مَخْرَمِ
ولئن توارى بالحجب فإن شذرات من فتاواه عوضت بعض هذا الأسف تضمنتها الفتاوى العدنية، وهي ما سنعرض لها هنا، وهو بذلك ينتظم بذلك في سلك الفقهاء -لا سيما فقهاء زبيد- الذين ناصبوا هؤلاء المتصوفة العداء ونازعوهم نزاعًا عنيفًا حينما تفشى اعتقاد مذهب أهل الوحدة، ولا بد من الإشارة هنا بأن المتصوفة ليسوا سواء في المنهج وعليه فيختلف الحكم، وذلك قبل أن يغلب المصطلح على عقائد الغلاة ويتلوث بالقبورية بل هم طوائف متعددة وطرائق قددًا، وما أجمل ما قرره شيخ الإسلام بقوله: (فإن ابن عربي وأمثاله وإن ادعوا أنهم من الصوفية فهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة، ليسوا من صوفية أهل الكلام فضلا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة، كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبي سليمان الدراني ومعروف الكرخي والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وأمثالهم) (5).
ولنأت الآن إلى ما حوته هذه الفتاوى من إيضاح يشفي الغليل (6)
أولا: ثناؤه على من انتحل طريق الزهد:
لقد أثنى الفقيه بامخرمة على الصوفية القائمة على الزهد والعبادة، وفَرَّق بينها وبين أهل الوحدة والاتحاد، فهو يرى التصوف الذي مَبْناه على مراقبة الله والخوف، كالتي تميز بها الرعيل الأول مثل الجنيد، فقد مدحه على قوله: "إنها لا تقع النكتة من نكت القوم في قلبي فلا أقبلها إلا بشاهد من الكتاب والسنة"، قال بامخرمة: وقد دل قوله هذا على أنها تقع نكت بهم وتنقدح في خواطرهم وقد يركن إليها بعضهم ويعدها علمًا وأنه أعني الجنيد (رضي الله عنه) لم يغتر بذلك ولا ركن إليه بل رده إلى شهادة الكتاب والسنة، فيحق فيه من أنه سيد الطائفة (رضي الله عنه) ا. هـ.
وهو بهذا يفرق بين من يستسلم للشرع ومن يعارض نصوصه بالكشف والوجد والإلهام والرؤيا من الغلاة الذين يجعلون لشيوخهم قداسة ويصفونهم بالحفظ ولا يراعون النصوص حين تخالف كشفهم.
ثانيا: تأثره بمتكلمة المتصوفة:
وقد خاض فيما خاض فيه المتجهون نحو فناء الشهود في التوحيد وهو -عندهم- الذي يتلاشى فيه الأغيار، فالوجود بالنسبة للحق سبحانه وتعالى عدم لا حقيقة له ولم يبقَ إلا توحيده في الأزل قبل إيجاد الخلائق، ومن قال غير ذلك مال عن حقيقته، وأطال الوقوف في شرح معناه بما نقل عن الجنيد، وبالجملة فما أغناه عن الحديث فيما لم يؤذن له فيه، ويرد عليه أيضا في انتحال الفناء في الشهود ما رد به على أهل الوحدة من وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، ولو أبحر باتجاه طريق السلف لسلم قال تعالى: ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولِئكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا)) وبالله التوفيق.
ثالثا: رده على جماعة ابن عربي
ويمكن دراسة ما جادت به ردوده في أجوبته في الفتاوى العدنية على النحو التالي:
1 - فضح عقائدهم الكفرية: ومنها
- استحالة العذاب عذبا:
¥