تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا سئلت: هل يُرى ربك؟، فقل: إن الله لا يُرى في الدنيا ابتلاءً، ويُرى في الآخرة جزاءً، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة المعتمد على الأدلة النقلية، فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: "تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت"، فمن قال لك بأنه رأى الله في الدنيا، فقل له: "أنت غير صادق في كلامك"، لأن النص واضح، فلا نراه في الدنيا تحقيقاً لمعاني الابتلاء، وهو أن الله تعالى استخلفنا في أرضه، ولا يصح الابتلاء والاستخلاف في الأرض والإنسان يرى الله تعالى، ولن يكون هناك معنىً للإيمان حينئذٍ، فلن تصح الحكمة، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك:2)، وأما في الآخرة فيراه المؤمنون (ونسأل الله أن نكون منهم جميعاً) تحقيقاً لمعاني الجزاء، فيُكرم الله أهل طاعته بجنته ورؤيته كما قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:22 - 23)، وقال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (يونس:26)، وتواتر عن نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته "، إذاً، المؤمنون يرون ربهم في الآخرة، أما في الدنيا فلا يراه أحد، وثبت في عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يرونه في أرض المحشر في عرصات القيامة، وفي جنته أيام الجمع وفي العيدين، وهذا له تفصيل سيأتي في باب الحديث عن الرؤية.

فالله سبحانه وتعالى لايُرى يقظة ولا في المنام، فكلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عام: " تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت"، وأما القول بأن الإمام أحمد رأى ربه فغير صحيح، فالإمام أحمد إمام أهل السنة، وهو أدرى الناس بقضايا التوحيد والصفات، فقد عُذِّب فيها وضُرب ثمانين جلدة، وكان ذلك بسبب مذهب الجهمية.

مكث الجهم أربعين يوماً لا يصلي، وقال: لا أصلي لمن لا أعرفه، ثم توصل إلى حجة بعقله، فقال للسمنية: الروح التي في الجسد،هل تُرى؟، قالوا: لا، فقال لهم: هل تُسمع؟، قالوا: لا، قال: هل تُحس أو تُمس؟ قالوا: لا، قال: فكذلك الله، هو في العالم كالروح في الجسد، فهو في كل مكان، هو هذا الهواء، هو في كل شئ.

فظهرت عقيدة أن الله تعالى في كل مكان بذاته، والإجابة التي أجابها الجهم بن صفوان إجابة عقلية، فأفحمهم، وانقطع السمنية، ففُتن الجهم، فقد رأى أنه بعقله قطع حجة السمنية، وبدأ بعد ذلك يقرأ القرآن، فلما جلس مع القرآن جلس معه لا ليسمع القرآن فيصدق خبره ويُنفِّذ أمره، وإنما ليرى هل القرآن يؤيد كلامه أم أنه يُعارض كلامه، فهو يريد أن يجعل النقل مطية للعقل، وطريقة السلف أن العقل مطية للنقل.

قال أبو معاذ البلخي: "كان جهم على معبر ترمذ ـ بلد من نواحي إيران ـ وكان رجلا كوفي الأصل فصيح اللسان، لم يكن له علم ولا مجالسه لأهل العلم، وكان قد تناقل كلام المتكلمين وكلمه السمنية، فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده؟ فدخل البيت لا يخرج كذا وكذا، ثم خرج عليهم بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء"

فإذا سئل العامة: أين الله؟، ستجد أن عامة الناس – إن كانوا على فطرتهم- سيقولون: الله في السماء، ولكن لأنهم تأثروا بمذهب المدرسة العقلية يقولون: "هو في كل مكان"،وأصل هذه الإجابة عقلية قالها الجهم بن صفوان، فلو قيل لمن أجاب بهذه الإجابة العقلية: هل الله في الحمام أو في الأماكن التي يأبى أن يتواجد فيها الإنسان؟ لسكت، فمن يرضى لربه أن يكون في كل مكان ويُفهم منه هذا الكلام؟، وأما الإجابة النقلية فهي أن الله سبحانه وتعالى في السماء على عرشه، فأعلى سماء العرش، والعرش فوق الماء، والماء فوق السماء السابعة، والله فوق عرشه كما أخبر، وأشار إليه نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ففي خطبة حجة الوداع، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للصحابة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: «وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون». قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس «اللهم اشهد اللهم اشهد».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير