فالقول بخلق القرآن سببه أن الجهم بن صفوان نسب القرآن إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولم ينسبه إلى الله، فقال بأن القرآن كلام محمد، ومحمد مخلوق، فالقرآن أيضاً مخلوق.
فمن قال بأن القرآن مخلوق فإنه ينفي صفات الله، ومن قال بأن القرآن غير مخلوق فإنه يثبت الصفات لله، فالقول بخلق القرآن يعني نفي صفات الله تعالى، فوقف الإمام أحمد لهم وقال: "لن أنفي صفات الله "، فعذبوه وسجنوه وضربوه وهو ثابت ويقول بأن كلام الله صفة من صفاته.
ثم بينما هو يقرأ القصص والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسى عليه السلام فدفع المصحف بيديه ورجليه، وقال: أي شيء هذا؟ ذكره هنا فلم يتم ذكره وذكره هنا فلم يتم ذكره"
فالمذهب العقلي أدى به إلى أنه ينفي ويكذب بكلام الله صراحةً، ولذلك كفروا الجهم بن صفوان لأنه ينفي أوصاف الله ويكذب بكلام الله ويتجرأ على كلام الله، بخلاف معطلة اليوم الذين يقولون بأن الله ليس على العرش أو أنه يتكلم بكلام نفسي ولكن لا ينفون كلام الله وإنما يقولون: نحن نؤول.
قال أبو القاسم اللالكائي: "ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم ثم جهم بن صفوان"
وهناك أيضاً أمور ابتدعها الجهم بن صفوان مثل قوله بأن الإنسان مسير وليس بمخير، وأن الإيمان بالله أن تعلم بأن الله موجود مهما فعلت من أفعال الكفر، وأن الجنة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما حتى لا يبقى موجود سوى الله تعالى.
قال أبو الحسن الأشعري: "قول الجهمية الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل به فقط وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز، كما يقال: تحركت الشجرة ودارت السفينة وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والسفينة والشمس الله سبحانه وتعالى، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
وكان جهم يقف على الجذامى ويشاهد ما هو فيه من البلايا ويقول: "أرحم الراحمين يفعل مثل هذا"، يعني أنه ليس هناك رحمة في الحقيقة ولا حكمة، وأن الأمر راجع إلى الجبر وإلى محض المشيئة الخالية عن الحكمة والرحمة.
وقد انتقل الجهم بن صفوان إلى ترمذ أحد البلدان في إيران، وبدأ الدعوة لمذهبه فانتشرت فيها عقائد الإنكار والتعطيل لكلام الله، ثم وجد لدعوته أتباعاً ومريدين من العامة والدهماء والجاهلين في مدن أخرى من مدن إيران، ثم انتشرت أفكاره في بغداد وبقية البلدان، وقد مات مقتولاً، قتله سالم بن الأحوز في آخر أيام الدولة الأموية.
فالجهم قدَّم العقل على النقل، ونظر إلى كتاب الله فأخذ من كتاب الله ما يوافق عقله وهواه، وعطَّل ما يخالف رأيه.
فمثلاً قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر:62) يستدلون به على أن القرآن مخلوق، فهو أخذ هذه الآية لا لأنه يصدق بخبر الله، ولكن لأنها تؤيد عقله وهواه، فالاحتجاج بالكتاب والسنة هنا ليس دليلاً أولياً، وإنما هو دليل ثانوي.
وسنوضح بإذن الله تعالى التلبيس الذي يحدث من بعض المؤلفين من أصحاب المدرسة العقلية، فتجدهم يقدمون الدليل النقلي حتى يخفوا على العامة مذهبهم.
وقد تفرعت من فرقة الجهمية فرق عديدة انقسمت إلى أكثر من عشر فرق كل فرقة اتخذت لنفسها مسلكاً فكرياً خاصاً وعقيدة مستقلة، لكن أبرز عقائد الجهمية هي:
1. القول بنفي صفات الله تعالى.
2. أن الإنسان لا يقدر على شيء، وهو مجبور مسير مقهور في فعله لا يوصف بالاستطاعة والقدرة.
3. أن الجنة والنار تفنيان.
4. أن الإيمان هو معرفة الله حتى لو كفر الإنسان باللسان.
5. قولهم بأن القرآن مخلوق.
والقصد مما سبق أن الجهم بن صفوان زعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فهو مشبه، وأن التوحيد يكمن في نفي هذه الصفات متمسكاً بزعمه بقول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى:11) سواء كان النفي نفياً واضحاً، أو كان بتأويل القرآن على غير معناه وليِّ أعناق النصوص بغير ما تحتمل، فزعم الجهم أن الله في كل مكان كالروح في الجسد.
¥