إذا وقف رجل وسط مدرسة وأراد أن يمدح ابنه فقال: "ابني لا نظير له"، فهذه العبارة تحمل انفراداً وتوحداً وتمييزاً لابنه عن الآخرين، ولكن بأي شئ يُميزه؟، فقال له الناس: في أي شئ؟ لا نظير له في ماذا؟
فقال: ليس له أي صفة.
قالوا: كيف هذا؟
قال: لأنه لو كان له صفة، لكان من الممكن أن يكون أحد مثله.
هذا الكلام لا يقوله أحد من العقلاء، فهو بذلك أفرده بلا وصف، وهذا هو توحيد المعتزلة.
وأما لو قال: ابني لا نظير له، فقيل له: في أي شئ؟ فقال: "في علمه، فهو أعلم طالب في المدرسة"، فهو بذلك أثبت له صفة العلم، وميَّزه عن باقي الطلاب بصفة العلم، فهو بذلك أفرده وميَّزه بوصف، فحتى يميزه يجب أن يفرده بوصفٍ تَميَّز به عن الباقي، فالله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) في ماذا؟
قال: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فالله تعالى ليس كمثله شئ في سمعه وبصره، فسمعه سبحانه مطلق، فمن فوق عرشه يسمع كل شئ، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة:1)، وأما سمع البشر فمحدود، فيستطيع الإنسان أن يدرك صوت دقة ساعة في ظروف هادئة تماماً على بعد 20 قدماً، ولو ابتعدت أكثر من ذلك لا يستطيع أن يسمعها، فهذا هو الفارق بين سمع الخالق وسمع المخلوق، إذاً الله تعالى ليس كمثله شئ في سمعه، قال تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65)، فالله تعالى ليس كمثله شئ في سمعه ولا في بصره ولا في قوته ولا في مُلكه ولا في غناه ولا في أسمائه وصفاته.
إذاً، لن يكون التوحيد توحيداً إلا بإثبات الصفات، فالمعتزلي لا يقبل أن يقول له أحد: "أنت ليس لك أي صفة"، ومع ذلك يقبل أن يقول ذلك على الله جل وعلا.
فالتوحيد عند المعتزلة أن تثبت الأسماء لله تعالى وأن تنفي جميع الصفات، وليس هذا هو التوحيد الذي تعلمه الصحابة من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فالله سبحانه وتعالى عند المعتزلة ليس له أي صفة، فيقولون: نحن لا نثبت لله الصفات، لأننا لو أثبتنا له الصفات فقد شبهناه، فلو قلنا بأن له سمعاً، فقد أثبتنا له الأذن.
نقول لهم: الله تعالى لما قال: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) هل يريد بذلك سمعه أم سمع الإنسان؟!، فالله تعالى يسمع كما يليق بجلاله، وليس كما يليق بالإنسان.
فلما يقول تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) فإنه يتكلم عن استوائه هو سبحانه وتعالى، فإذا تخيل أحد استواء إنسان ونفى استواء الحق سبحانه وتعالى بحجة أنه سبحانه لو كان على العرش لكان محمولاً، فالعيب في عقله هو، لماذا يتخيل المخلوق عندما يسمع وصف الخالق؟
فإذا قلنا "طائر كبير" وتخيل أحد فيلاً، بحجة أن الطائر موجود والفيل موجود، فهذا ليس بعاقل أبداً.
وكذلك إذا قال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) وتخيل أحد استواء سليمان، فماذا نقول له؟!!
فإن قيل: كيف استوى؟، نقول: لا نعلم، لأننا لم نره، وليس له مثيل حتى نقول بأنه مثل فلان، ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: " الاستواء معلوم والكيف مجهول" أي أن الاستواء حقيقة موجودة وكيفيته مجهول لنا، معلوم لله تعالى، وهم يقولون: لا تثبت الاستواء، نزِّه الله عن التشبيه.
نقول: أيكون كلام الله سبحانه وتعالى تشبيهاً؟! أيخاطبنا الله تعالى بألغاز وكلام يؤدي إلى الكفر والضلال؟؟!! أهذا اعتقاد أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟؟، فهؤلاء لا يفهمون كتاب الله تعالى كما فهمه أصحاب محمد بن عبد الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ولذلك إذا نظرنا إلى قواعد مذهب السلف نجد أن أول القواعد التوحيد وثاني القواعد إثبات الصفات، فلا توحيد بغير إثبات الصفات، فالتوحيد بغير إثبات الصفات هو كما تقول لشخص: أنت ليس لك أي صفة، لأنني أريد أن أنزهك عن مشابهة المخلوقات.
فهذا الكلام لا يقوله العقلاء، وإنما إذا أردت أن تمدح هذا الشخص تقول: ليس لك مثيل في كرمك، في أخلاقك، في بصيرتك ...... ، فتثبت له صفة، فالمدح يكون بإثبات الصفات لا بنفيها.
¥