فالتوحيد عند المعتزلة هو نفي الصفات، وهذا هو الأصل الأول عند المعتزلة، فقالوا بأن الله ليس على العرش ولا في السماء ولا يأتي لفصل القضاء وليس له وجه، وليس له يد، وليس له عين .......... وكل ما أخبر الله به ليس على الحقيقة.
ولذلك كان المعتزلة عندهم شجاعة في التعطيل، والتعطيل نفي، ولكن ابن تيمية رحمه الله تعالى سماهم معطلة، لأن عندهم حسن نية في نفيهم للصفات، فسماهم معطلة حتى لا يُكفرهم، وكذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى لم يكفرهم لأنهم قوم سوء وجهلة، معذورون بجهلهم وحماقتهم، ولكن جهلهم جهل مركب، فالجهل نوعان:
جهل بسيط: وهو أنك لا تعلم المعلومة فتُعرَّف لك.
جهل مركب: وهو الذي يَصْدُق فيه قول الله تعالى: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (الكهف:104)
وابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب "درء تعارض العقل مع النقل" يضرب مثلاً للجهل البسيط بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (النور: 39)، وللجهل المركب بقوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40).
فهذا هو التوحيد عند المعتزلة، وهو مذهب ضلالة كما ترون، وسوف يأتي الكلام عن مذهب المعتزلة في قضية الأسماء الحسنى، وأنهم هم القائلون بجواز أن نسمي الله تعالى بعقولنا وبجواز الاشتقاق (وهو أن يُشتق من الفعل اسم)، وأما سائر الطوائف في الأمة الإسلامية -حتى الضالة منها- قالوا بأن الأسماء توقيفية على النص، وأن الاسم يجب أن يرد بنصه في الكتاب أو في السنة.
فالإنسان لا يقبل أن يناديه أحد بغير اسمه أو أن يُغير أحد في اسمه، فكيف يقبل ذلك على رب العزة والجلال ويُقال بأنه لا فارق بين "الساتر" و"الستير"؟
إذاً، عرفنا الآن الفرق بين التوحيد عند المعتزلة والتوحيد عند السلف، فالتوحيد عند السلف توحيد يؤدي إلى إثبات الصفات، وهذا هو الذي استمات الإمام أحمد في الدفاع عنه، والتوحيد عند المعتزلة يؤدي إلى نفي الصفات.
والخليفة المأمون كان يُسمي توحيد المعتزلة بـ"حقيقة التوحيد"، مع أنه على العكس من التوحيد عند السلف الصالح.
ثانياً: العدل
ما هو العدل عند المعتزلة؟
يقولون:إن الله لا يرضى بالظلم، فلا يمكن أن يكون الله تعالى قدَّر العذاب على الكافر، لأن هذا يُعتبر ظلماً، والله سبحانه وتعالى لا يظلم أحداً، فلا بد من العدل، إذاً، الله لم يُقدِّر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، والعبد هو الذي يخلق فعله.
نقول: الله تعالى يقول: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف:54)، وقال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر:62)، فهذه الآية يحتجون بها على كون القرآن مخلوقاً، وأما في باب القضاء والقدر وأن الله تعالى خلق أفعال العباد سواء كانت طاعة أو معصية يقولون بأن الله لا يخلق أفعال العباد، فهذا تناقض، فهم بذلك جعلوا آلهة أخرى مع الله تعالى، ولذلك صنَّف الإمام البخاري رحمه الله تعالى كتاب "خلق أفعال العباد" ليرد على المعتزلة الذين يقولون بأن العبد هو الذي يخلق فعله.
فالعبد مخلوق، وأفعال العبد مخلوقة، قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96)
ولنطرح هذا السؤال: إذا قدَّر الله تعالى على رجلٍٍ أن يكون من أهل النار، وأطاع هذا الرجل رب العزة والجلال طول الحياة، هل سيدخل الجنة أم سيدخل النار؟
من قال بأنه سيدخل النار يريد أن يُمضي القدرة، وأن الله سبحانه وتعالى قدير، فما كتبه في اللوح سوف يكون، فآمن بقدرة الله، وأن من كتبه الله من أهل الجنة فسيدخل الجنة، ومن كتبه من أهل النار فسيدخل النار.
¥