تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سئل بعض السالكين طريقةَ هؤلاء كالرازي ونحوه؛ فقيل له: لِمَ لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الوسواس بالبرهان المبين لفساد التسلسل والدور بل أمر الاستعاذة؟؛ فأجاب بأن مثَل هذا مثَل من عرض له كلب ينبح عليه ليؤذيه ويقطع طريقة؛ فتارة يضربه بعصا، وتارة يطلب من صاحب الكلب أن يزجره قال: فالبرهان هو الطريق الأول وفيه صعوبة، والاستعاذة بالله هو الثاني وهو أسهل،

واعترض بعضهم على هذا الجواب بأن هذا يقتضي أن طريقة البرهان أقوى وأكمل وليس الأمر كذلك بل طريقة الاستعاذة أكمل وأقوى؛ فإن دفع الله للوسواس عن القلب أكمل من دفع الإنسان ذلك عن نفسه

فيقال: السؤال باطل وكل من جوابيه مبني على الباطل؛ فهو باطل؛ وذلك أن هذا الكلام مبناه على أن هذه الأسئلة الواردة على النفس تندفع بطريقين أحدهما البرهان والآخر الاستعاذة وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاستعاذة وأن المبين لفساد الدور والتسلسل قطعه بطريق البرهان وأن طريقة البرهان تقطع الأسولة الواردة على النفس بدون ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بطريقة البرهان،.

وهذا خطأ من وجوه؛ بل النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطريقة البرهان حيث يؤمر بها ودل على مجاميع البراهين التي يرجع إليها غاية نظر النظار، ودلَّ من البراهين على ما هو فوق استنباط النظار، والذي أمر به في دفع هذا الوسواس [ليس] هو الاستعاذة فقط، بل أمر بالإيمان وأمر بالاستعاذة وأمر بالانتهاء، ولا طريق إلى نيل المطلوب من النجاة والسعادة إلا بما أمر به لا طريق غير ذلك.

ج3310

والشبهات القادحة في تلك العلوم لا يمكن الجواب عنها بالبرهان؛ لأن غاية البرهان أن ينتهي إليها؛ فإذا وقع الشك فيها انقطع طريق النظر والبحث، ولهذا كان من أنكر العلوم الحسية والضرورية لم يناظر، بل إذا كان جاحدا معاندا عوقب حتى يعترف بالحق، وإن كان غالطا إما لفساد عرض لحسه أو عقله لعجزه عن فهم تلك العلوم وإما لنحو ذلك؛ فإنه يعالج بما يوجب حصول شروط العلم له وانتفاء موانعه؛ فإن عجز عن ذلك لفساد في طبيعته عولج بالأدوية الطبيعية أو بالدعاء والرقي والتوجه ونحو ذلك، وإلا ترك،

ولهذا اتفق العقلاء على أن كل شبهة تعرض لا يمكن إزالتها بالبرهان والنظر والاستدلال،- وإنما يخاطب بالبرهان والنظر والاستدلال من كانت عنده مقدمات علمية وكان ممن يمكنه أن ينظر فيها نظرا يفيده العلم بغيرها-؛ فمن لم يكن عنده مقدمات علمية أو لم يكن قادرا على النظر لم تمكن مخاطبتة بالنظر والاستدلال، وإذا تبين هذا فالوسوسة والشبهة القادحة في العلوم الضرورية لا تُزال بالبرهان بل متى فكر العبد ونظر ازداد ورودها على قلبه وقد يغلبه الوسواس حتى يعجز عن دفعه عن نفسه كما يعجز عن حل الشبهة السوفسطائية،

وهذا يزول بالاستعاذة بالله.

318ج3

ومما ينبغي أن يعرف في هذا المقام -وإن كنا قد نبهنا عليه في مواضع- أن كثيرا من العلوم تكون ضرورية فطرية؛ فإذا طلب المستدل أن يستدل عليها خفيت ووقع فيها شك؛ إما لما في ذلك من تطويل المقدمات، وإما لما في ذلك من خفائها، وإما لما في ذلك من كلا الأمرين،

والمستدل قد يعجز عن نظم دليل على ذلك؛ إما لعجزه عن تصوره، وإما لعجزه عن التعبير عنه فإنه ليس كل ما تصوره الإنسان أمكن كل أحد أن يعبر عنه باللسان، وقد يعجز المستمع عن فهمه ذلك الدليل، وإن أمكن نظم الدليل وفهمه فقد يحصل العجز عن إزالة الشبهات المعارضة إما من هذا وإما من هذا وإما منهما،

وهذا يقع في التصورات أكثر مما يقع في التصديقات؛ فكثير من الأمور المعروفة إذا حدت بحدود تميز بينها وبين المحدودات زادت خفاء بعد الوضوح لكونها أظهر عند العقل بدون ذلك الحد منها بذلك الحد، ولكن قد يكون في الأدلة والحدود من المنفعة ما قد نبه عليه غير مرة ولهذا تنوعت طرق الناس في الحدود والأدلة وتجد كثيرا من الناس يقدح في حدود غيره وأدلته، ثم يذكر هو حدودا وأدلةً يرد عليها إيرادات من جنس ما يرد على تلك أو من جنس آخر، وذلك لأن المقصود بالحدود: إن كان التمييز بين المحدود وبين غيره كانت الحدود الجامعة المانعة على أي صورة كانت مشتركة في حصول التمييز بها، وإن لم تكن جامعة مانعة كانت مشتركة في عدم حصول التمييز، وإن كان المطلوب بها تعريف المحدود فهذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير