تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و آخرهم الشيخ عبد القادر الجيلاني، لم يكن على وفاق مع ابن الجوزي، فقد روى أن هذا الأخير كان يغض من قدره و لا ينصفه، و صنف كتابا في ذمه، نقم فيه عليه أشياء كثيرة [41]. لكنني لم أعثر لابن الجوزي على أي نقد أو ذم صريحين لعبد القادر الجيلاني؛و إن كان يوجد ما يوحي إلى أنه لم يكن على علاقة حسنة معه. فمن ذلك أنه ترجم له في كتابيه: مناقب الإمام أحمد، و المنتظم في تاريخ الملوك و الأمم، فلم يمدحه و لم يقدح فيه،و لم يترحم عليه،و سماه: عبد القادر، دون عبارة أخرى تدل على مكانته، كالشيخ، و الفقيه، و العالم، و جاءت ترجمته في ثمانية أسطر و كلمات [42]. و في هذا يقول المؤرخ الذهبي: ((و لم تسع مرارة ابن الجوزي بأن يترجمه بأكثر من هذا، لما في قلبه له من البغض، نعوذ بالله من الهوى)) [43].و هو-أي ابن الجوزي- و إن لم يتوسع في معظم تراجم عصره –الذين ذكرهم في تاريخه- فقد كان في إمكانه أن يذكر للشيخ الجيلاني ترجمة حافلة، مرصعة بجواهر كلامه الوعظي، لكنه لم يفعل ذلك؛ في حين ترجم لأبي الوفاء بن عقيل في ثلاث صفحات،و للوزير ابن هبيرة في نحو أربع صفحات [44].

فمها هي أسباب تنافر الرجلين و هما حنبليان بغداديان يجمعهما مذهب واحد، أصولا و فروعا؟ يبدو لي أن أهمها سببان، الأول هو التصوف، فإنه قد فرق بينهما، فالجيلاني قطب من أقطاب الصوفية، و ابن الجوزي من كبار العلماء المنتقدين للتصوف و الناقمين على أتباعه، لذا قيل أنه أنكر على الجيلاني تصرفات صدرت منه في كتابه الذي ذمه فيه.و الثاني هو الحسد، فيبدو أن ابن الجوزي كان يحسد الشيخ عبد القادر و ينافسه، لما له من جاه في بغداد و خارجها، مما دفعه إلى بغضه و عدم إنصافه. وهذا لا يليق بعالم مثله، و الجيلاني ليس من أقرانه، فهو بمثابة والده إذ يكبره بأكثر من خمس و ثلاثين سنة [45].

و عن سبب اشتداد ابن الجوزي في نقد الصوفية،يرى الحافظ ابن رجب الحنبلي أنه لما كان ابن الجوزي عظيم الخبرة بأحوال السلف الأول،و لما له من حظ من أذواق الصوفية و مشاركتهم في بعض معارفهم، اصبح لا يعذر المشايخ المتأخرين، في مخالفتهم لطريق المتقدمين، ويشتد في الإنكار عليهم. و من ساق المتأخرين مساق الأوائل و طالبهم بسيرتهم في العلم و العمل، و الورع و كمال الخشية، فلا ريب أنه يزدري المتأخرين، و يمقتهم و يهضم حقوقهم، فالأولى تنزيل الناس منازلهم،و توفيتهم حقوقهم، و معرفة مكانتهم ن و إقامة معاذيرهم [46]. وهذه مبالغة في تبرير سلوكيات هؤلاء و الاعتذار لهم؛ لأن ابن عقيل و ابن الجوزي-مثلا- قد أنكرا عليهم تصرفات كثيرة-سبق ذكرها- مناقضة للشرع، و ليس لهم فيها عذر مقبول، إلا الانحراف و اتباع الهوى، و الجهل بالشرع.

و أما الباحث زكي مبارك فقد علق على انتقادات ابن الجوزي للصوفية، بقوله: ((و قد شغل ابن الجوزي نفسه بتعقب الصوفية، فنقل عنهم حكايات غريبة؛ و علق عليها تعليقات تدل على بصر بدقائق علم النفس و الأخلاق)) [47] و ((قد أطلنا الاقتباس من ابن الجوزي لأن الصفحات التي كتبها في هذا الموضوع ن من خير ما قرأنا في الدرسات النفسية و الخلقية، لأنها تصور ما كان يعرض للصوفية من الحيرة المطبقة، في تفهم مسالك الرشد و الغي، ومعالم الهدى و الضلال)) [48]، ثم انتقل إلى التعريض بابن الجوزي فقال: ((و من الذي يضمن أن بكون ابن الجوزي صادقا في كل ما كتب عن مغامز الصوفية))،و ((أي مظهر للجبن و أقبح و أبشع أن تصنف الكتب الطوال العراض في مثالب الصوفية، على حين يترك الملوك الظالمون في العصور الماضية، بلا رقيب و لا حسيب؟ و ما وضع ابن الجوزي و أمثاله في نقد الاستبداد،و كان يعيش في عصر لا تحترم فيه ملكية،و لا تحتفظ حقوق؟ أين ما كتب هؤلاء المتفيهقون في الفساد الخلقي و الاجتماعي، الذي كان يندلع لهيبه من قصور الوزراء و الأمراء)) [49].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير