تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 – اعْتِقَادُ كونِهَا أسْبابًا للحوَادثِ غيرَ مُسْتقِلةٍ بالتَّأثيرِ، بل تابعَة لتَقْديرِ اللهِ سُبحانَه وتعَالى، وهذا القِسْمُ مما وقعَ فيه الِاختلافُ بينَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وأئمَّةِ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ؛ فإنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يُصحِّحُ وُجودَ شيءٍ مِن حركَةِ الكوَاكب سبَبًا مُؤثِّرًا، بلْ قالَ: (ومَن زعمَ أنَّ حركاتِ الكوَاكبِ لا تأثِيرَ لها فهُو قولٌ بلَا علمٍ، وليسَ في النُّصُوص الشَّرعيةِ ما يدُلُّ عليهِ، بل النُّصُوصُ على خلافِه)، واستَدلَّ على ذلكَ بأدِلَّةٍ، منها ما جاءَ في الكسُوفِ الخسُوفِ مِن قولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ يُخَوِّفُ اللهَ بِهِمَا عِبَادَهُ)، وبقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَائِشَةَ لَمَّا رأَى القمَرَ: (تَعَوَّذِي بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الْغَاسِقِ إِذَا وَقَبَ).

وأمَّا أئمَّةُ الدَّعْوَةِ النَّجْدِيَّةِ فهُم مُطْبقُون علَى نفْيِ جَعْلِ الكوَاكبِ سبَبًا لشَيءٍ مِن الحوَادثِ.

* ولَعَلَّ سوَاءَ السَّبيلِ بينَ القَولَيْنِ بأنْ يُقالَ: إنَّ مِن حرَكَاتِ الكَواكِبِ ما يكُونُ سبَبًا لشيءٍ مِن الحوادِثِ، لا كلُّ حرَكاتِها، وإنَّما منعَ أئمةُ الدَّعوَةِ عدَّها أسبَابًا؛ لعَظِيم ما صَار إليه النَّاسُ مِن التَّعلُّقِ بها والرُّكُون إليْهَا؛ فحَسْمًا لِمادَّة الشِّرك وسَدًّا لذرِيعَتِه مَنَعُوا عَدَّ شيءٍ منهَا سبَبًا مِن الأسْبَابِ للحوَادثِ الكَونِيَّةِ.

إلَّا أنَّ الأدلَّةَ جاءَتْ بإثْبَاتِ التَّسْبيبِ في جُملةٍ مِن حركَاتِها لَا كلِّ حَركَاتِها.

2 – عِلْمُ التَّسْيِيرِ: وهو الِاستِدْلالُ بحركَاتِ الكوَاكبِ علَى ما يَحْتاجُ إليه النَّاسُ مِن الِاهتِداءِ إلَى القِبْلةِ والأوقَاتِ والجهَاتِ، فهذا جَائزٌ لا شَيءَ فيه في قولِ جُمهُور أهْلِ العِلْمِ.

* فَائِدَةٌ 73: تَعْلِيقُ الْأَمْطَارِ بِالْأَنْوَاءِ على ثلَاثةِ أقسَامٍ:

1 – تَعْلِيقُ تَسْبِيبٍ؛ بأنْ يَعتَقِد أنَّ النَّوءَ بنَفسِه مسَبِّبٌ للمطَر، مُفيضٌ له؛ وهذا شِرْكٌ أكْبرُ مُخْرِجٌ مِن الْملَّةِ.

2 – إِضَافَةُ سَبَبِيَّةٍ، بأنْ لَا يَعتَقِدَ أنَّ النَّوءَ مُسَبِّبٌ بنفسِهِ، وإنَّما هو سَبَبٌ للمَطرِ؛ وهذا شِرْكٌ أصغَرُ عند أئمَّةِ الدَّعوةِ النَّجديَّةِ، وفيهِ بَحْثٌ [أيْ: نَظَرٌ].

3 – إِضَافَةُ عَلَامَةٍ وَتَوْقِيتٍ، بأنْ لا يُرادَ -بإضَافةِ الْمطَرِ إلى النَّوءِ- كَوْنُ ذلك النَّوْءِ سبَبًا ولَا مُسبِّبًا له، وإنَّما هو علامَةٌ دالَّةٌ عليهَا، وهذا جَائزٌ لا تَثْرِيبَ علَى قائلِهِ؛ كما تقُولُ العربُ: (إِذَا طلَعَ سُهَيْلٌ فَلا تَأْمَنَنَّ السَّيْلَ)؛ لأنَّ ظهورَ سُهَيْلٍ عَلَامةٌ عَلَى وفُود السُّيولِ وكثرَتِها.

ومِن ذلِكَ قولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا طَلَعَ النَّجْمُ ارْتَفَعَتِ الْعَاهَةُ عَنْ كُلِّ بَلَدٍ)، وهُو حدِيثٌ مُخرَّجٌ في مُسنَد أَحْمَدَ، وفَوَائِد تَمَّامٍ الرَّازِيِّ، والتَّدْوِينِ فِي تَارِيخِ قَزْوِين بأسَانيدَ يشُدُّ بعضُها بعضًا، وقد حَسَّنهُ جمَاعةٌ مِن أهلِ العلمِ.

والنَّجْمُ -فِي هذَا الحديثِ- هو الثُّرَيَّا؛ لأنَّ العرَبَ إذَا أطْلَقَت النَّجمَ لم تُرِد به إلَّا الثُّرَيَّا.

* لَطِيفَةٌ: مِن لَطِيفِ مَا يُذكَرُ ممَّا يتعلَّقُ بهذَا الحديثِ شَيْئَانِ اثْنانِ، يُبيِّنانِ أنَّ صِناعةَ العِلْمِ لا تُوقَفُ عندَ حَدٍّ، ولا ينْتَهِي شِبَعِ طالِبِ العِلْمِ منهُ حتَّى يكُونَ مُنتهَاهُ إلى الجنَّةِ.

أُولَاهُمَا: الْإِمَامُ الْبَاجِيُّ صرَّح في كتَابِه: الْمُنْتَقَى، بأنَّ هذا الحديثَ لا يُعرَفُ له مخْرَجٌ، ولا يُدْرَى عن سنَدِه، وهو مُتعَقَّبٌ بكَونِه مُخَرَّجًا في كتابٍ شهيرٍ هو مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

ثَانِيهِمَا: أنَّ جمَاعةً مِن الحفَّاظِ الكِبارِ، منهُم ابْنُ حَجَرٍ في فَتْحِ الْبَارِي، والْعَيْنِيُّ في عُمْدَةِ الْقَارِي، والسَّخَاوِيُّ في الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ، عزَوْا هذا الحديثَ لِسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير