طائفة المتكلمين والمبتدعة تمسكوا بنفي التشبيه توسلاً إلى عيب أهل الآثار وإبطال الأخبار، وإلا فمن أي وجه حصل التشبيه؟، إن كان التشبيه حاصلا من المشاركة في الأسماء والألفاظ؛ فقد شبهوا الله تعالى حيث أثبتوا له صفات من السمع والبصر والعلم والقدرة والإرادة والحياة مع المشاركة في ألفاظها.
ولله تسعة وتسعون اسما ليس فيها ما لا يسمى به غيره إلا اسم الله تعالى والرحمن وسائرها يسمى بها غيره سبحانه وتعالى ولم يكن ذلك تشبيها ولا تجسيما
ثم كيف يعملون في الآيات الواردة في الصفات فهل لهم سبيل إلى ردها أو طريق في إبطالها أو يثبتونها مع التشبيه في زعمهم ولقد علموا إن شاء الله أن لا تشبيه في شيء من هذا ولكنهم قبحهم الله تعالى يبهتون ولا يستحيون.
وإن كان الله تعالى قد أعمى قلوبهم حتى ظنوا ذلك فما هو ببعيد
فقد رأينا من ينسب قول الله تعالى وقول رسوله إلينا على وجه العيب لنا بها فيقول أنتم تقولون: الرحمن على العرش استوى، وأنتم تقولون: وكلم الله موسى تكليما وأنتم تقولون: ينزل الله كل ليلة إلى سماء الدنيا
وهذا كلام الله تبارك وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وكلام رسوله حملتهم العصبية وعمى القلب على أن جعلوه كلاما لنا ثم عابوه علينا
ومن عاب كتاب الله عز و جل وسنة رسوله فليس بمسلم، ومن جعل كلام الله عز و جل كلاماً لغيره فهو جاهل غبي.
الأصل الخامس: نفي الصفة متضمن ثبوت نقيضها من النقائص
قال الامام أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (193):
إِنَّمَا يُحَاوِلُونَ الْجَهْمِيَّةُ أَنْ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ. رواه الخلال في السنة (1776).
وقال الامام عبدالرحمن بن مهدي (198):
ليس في أصحاب الأهواء شر من أصحاب جهم يدورون على أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى والله ألا يناكحوا ولا يوارثوا. رواه عبدالله في السنة (147).
وقال الامام عثمان بن سعيد الدارمي (280) في النقض على بشر المريسي (1/ 301 - 303):
فقد جمعت أيها المريسي في دعواك هذه جهلا وكفرا، أما الكفر؛ فتشبيهك الله تعالى بالأعمى الذي لا يبصر ولا يرى ...... ،وكيف استجزت أن تسمي أهل السنة وأهل المعرفة بصفات الله المقدسة مشبهةًُ إذ وصفوا الله بما وصف به نفسه في كتابه بالأشياء التي أسماؤها موجودة في صفات بني آدم بلا تكييف، وأنت قد شبهت إلهك في يديه وسمعه وبصره بأعمى وأقطع وتوهمت في معبودك ما توهمت في الأعمى والأقطع؛ فمعبودك في دعواك مجدع منقوص أعمى لا بصر له وأبكم لا كلام له وأصم لا سمع له وأجذم لا يدان له ومقعد لا حراك به وليس هذا بصفة إله المصلين؛ فأنت أوحش مذهبا في تشبيهك إلهك بهؤلاء العميان والمقطوعين أم هؤلاء الذين سميتهم مشبهة أن وصفوه بما وصف به نفسه بلا تشبيه؟ فلولا أنها كلمة هي محنة الجهمية التي بها ينبزون المؤمنين ما سمينا مشبها غيرك لسماجة ما شبهت ومثلت.
وقال في خطبة كتابه الرد على الجهمية:
الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات و لا في الأرض يعلم سر خلقه وجهرهم ويعلم ما يكسبون، نحمده بجميع محامده ونصفه بما وصف به نفسه ووصفه به الرسول؛ فهو الله الرحمن الرحيم قريب مجيب متكلم قائل وشاءٍ مريد فعال لما يريد الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء له الأمر من قبل ومن بعد وله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وله الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم يقبض ويبسط ويتكلم ويرضى ويسخط ويغضب ويحب ويبغض ويكره ويضحك ويأمر وينهى ذو الوجه الكريم والسمع السميع والبصر البصير والكلام المبين واليدين والقبضتين والقدرة والسلطان والعظمة والعلم الأزلي لم يزل كذلك ولا يزال استوى على عرشه فبان من خلقه لا تخفى عليه منهم خافية علمه بهم محيط وبصره فيهم نافذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير؛ فبهذا الرب نؤمن وإياه نعبد وله نصلي ونسجد؛ فمن قصد بعبادته إلى إله بخلاف هذه الصفات فإنما يعبد غير الله وليس معبوده بإله؛ كفرانه لا غفرانه.
وقال قوام السنة الاصبهاني (535) في الحجة (2/ 137):
¥