تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم)؛ لأنه قال: "من تشبه بقوم فهو منهم" فظاهره أنه كافر، لكن هو منهم فيما تشبه به فيهم، فيكون هذا الحديث دالًّا على التحريم، وهو القول الراجح الذي لا شك فيه أن التشبه بالكفار حرام، ولكن لا بد أن نعرف ما هو التشبه، وهل يشترط قصد التشبه؟

فالجواب: أن التشبه أن يأتي الإنسان بما هو من خصائصهم بحيث لا يشاركهم فيه أحد كلباس لا يلبسه إلا الكفار، فإن كان اللباس شائعاً بين الكفار والمسلمين فليس تشبهاً، لكن إذا كان لباساً خاصاً بالكفار، سواء كان يرمز إلى شيء ديني كلباس الرهبان، أو إلى شيء عادي لكن من رآه قال: هذا كافر بناء على لباسه فهذا حرام.

وهل يشترط قصد التشبه أو لا؟

الجواب: قد يقول قائل: إنه يشترط قصد التشبه؛ لأنه قال: "من تشبه" وتفعّل تقتضي فعلاً وقصداً، ولكن من نظر إلى العلة عرف أنه متى حصل التشابه ثبت الحكم، ولهذا نص شيخ الإسلام - - على أنه متى حصلت المشابهة، ولو بغير قصد، ثبت الحكم؛ وذلك لأن العلة لا تختلف بالقصد وعدمه، فالعلة أن من رأى هذا الرجل قال: هذا كافر، وهذا لا يشترط فيه القصد.

لكن لو فرض أن الإنسان في بلد ليس فيه من الكفار من يلبس هذا اللباس، وهو لا يعرف عن لباس الكفار في بلادهم، ولبس لباساً يشبه لباس الكفار في بلادهم، وهو لم يقصد، فهنا قد نقول: إنه لا تشبه؛ لأن العلة قد زالت تماماً.

فإن قال قائل: على قولكم حرموا قيادة الطائرات التي تحمل الصواريخ، وما أشبه ذلك؛ لأن الذين يقودونها كفار؟

فالجواب: أن هذه ليست من أزيائهم التي يتحلون بها، ويتخذونها شعاراً لهم، فهذه آلة يقودها الكفار، ويقودها المسلمون، والصحابة - - لما فتحوا البلاد ركبوا السفن التي يصنعها الكفار، والتي هم بها أدرى، ولم يقولوا: إذا ركبنا السفينة صرنا متشبهين.

ـ[أبو عبد الغفور]ــــــــ[07 - 03 - 07, 07:43 ص]ـ

وهذا نص آخر من باب شروط الصلاة:

قوله: «وشَدُّ وسَطِهِ كزُنَّار»، أي: يُكره أيضاً للإنسان أن يَشُدَّ وسَطَهُ لكن لا مطلقاً، بل بما يُشبه الزُّنَّار.

وشَدُّ الوسط، أي: أن يربط على بطنه حَبلاً، أو سَيراً، أو ما أشبه ذلك، وهذا يُفعل كثيراً، فهو يُكره إن كان على وجه يُشبه الزُّنَّار، والزُّنَّار سَيْر معروف عند النَّصَارى يشدُّون به أوساطهم، وإنما كُرِه ما يشبه شَدَّ الزُّنَّار؛ لأنه تشبُّه بغير المسلمين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشبَّه بقومٍ فهو منهم» (1)

قال شيخ الإسلام: «أقلُّ أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كُفْرَ المُتشبِّه بهم» (2) إذاً؛ فلا يقتصر على الكراهة فقط، لأننا نقول: إن العِلَّة في ذلك أن يُشَابه زُنَّار النَّصارى، وهذا يقتضي أن يكون حراماً؛ لقول الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَنْ تَشَبَّه بقوم فهو منهم» وليس المعنى أنه كافر، لكن منهم في الزِّيِّ والهيئة المشابهة لهم، ولهذا لا تكاد تُفرِّقُ بين رَجُل متشبِّه بالنَّصارى في زِيِّه ولباسه وبين النَّصْرَاني، فيكون منهم في الظَّاهر.

قالوا: وشيء آخر، وهو: أن التشبّه بهم في الظَّاهر يجرُّ إلى التشبّه بهم في الباطن (5). وهو كذلك، فإن الإنسان إذا تشبَّه بهم في الظَّاهر؛ يشعر بأنه موافق لهم، وأنه غير كاره لهم، ويجرُّه ذلك إلى أن يتشبَّه بهم في الباطن، فيكون خاسراً لدينه ودُنياه، فاقتصار المؤلِّف على الكراهة فيما يُشبه شَدَّ الزنَّار فيه نظر، والصَّواب: أنه حرام.

فإن قال قائل: أنا لم أقصد التشبُّهَ؟ قلنا: إن التشبُّهَ لا يفتقر إلى نيَّة؛ لأن التشبُّهَ: المشابهة في الشَّكلِ والصُّورة، فإذا حصلت، فهو تشبُّه سواء نويت أم لم تنوِ، لكن إن نويت صار أشَدَّ وأعظم؛ لأنك إذا نويت، فإنما فعلت ذلك محبَّةً وتكريماً وتعظيماً لما هم عليه، فنحن ننهى أيَّ إنسان وجدناه يتشبَّهُ بهم في الظَّاهر عن التشبه بهم، سواء قصد ذلك أم لم يقصده، ولأن النيَّة أمر باطن لا يمكن الاطلاع عليه، والتشبُّه أمرٌ ظاهر فيُنهى عنه لصورته الظَّاهرة.

قوله: «وتَحْرمُ الخُيَلاءُ في ثوبٍ وغيرهِ»، الخُيَلاء: مأخوذة في الأصل من الخَيل، لأن الخَيل تجلب التَّباهي والترفُّع والتَّعالي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير