[«المصلحة عند الحنابلة» لفضيلة الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري]
ـ[سلمان بن عبدالقادر أبو زيد]ــــــــ[19 - 03 - 07, 01:15 م]ـ
«المصلحة عند الحنابلة»
لفضيلة الشيخ العلامة د. سعد بن ناصر الشثري
عضو هيئة كبار العلماء
وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
- سلمه الله -
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة]:
الحمد لله الذي شرع للعباد ما ينفعهم في دنياهم وعند المعاد، أحمده على إكمال دينه وإتمام نعمته، ورضاه الإسلام لنا دينا، وأشهد أن لا إله إلا الله، أخبر أنه لو اتبع الحق أهواء من في السماوات والأرض لفسدتا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث بالملة الحنيفية السمحة، صلى الله عليه وعلى أصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
فقد رأيت الحاجة لبحث المصلحة عند الحنابلة لتضارب النقل عنهم في ذلك وعدم ضبط مذهبهم فيها، فلاقى ذلك رغبة ملحة في نفسي، لأن المصلحة مما تضاربت أقوال الناس فيه، وهو باب دخل علينا منه في العصر خفافيش عطلت النصوص، وحاولت هدم الشريعة كلها نظرا لما يزعمونه من المصالح، ولأنهم وجدوا كلمة متشابهة عند الطوفي فطاروا بها فرحا وتركوا أقوال الأئمة من العلماء لأن مقالة الطوفي - وهو من الحنابلة - توافق أهواءهم، فخالفوا النصوص الكثيرة الناهية عن اتباع الهوى ? وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ? [سورة القصص الآية 50]،? وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ? [سورة الكهف الآية 28].
فهذا المنهج منهج ضال يخالف منهج أهل الإيمان الذين يستمعون جميع الأقوال ثم يقارنون بينها ويتبعون أحسنها، فكانوا بذلك هم أولو الألباب وأصحاب الإيمان فلله درهم.
وقد جعلت هذا البحث من مقدمة وتمهيد عن تعريف المصلحة لغة واصطلاحا وفصلين:
الفصل الأول: في تتبع آراء الحنابلة في المصلحة:
المبحث الأول: آراء متقدمي الحنابلة: الإمام أحمد وابن عقيل وابن قدامة وابن برهان والمجد.
المبحث الثاني: آراء متوسطي الحنابلة: شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن النجار والطوفي.
المبحث الثالث: آراء متأخري الحنابلة: ابن بدران والدكتور التركي والربيعة والدريويش والمنصور.
الفصل الثاني: في حكم المصلحة عند الحنابلة:
المبحث الأول: في المعتبرة.
المبحث الثاني: في الملغاة.
المبحث الثالث: في المرسلة.
وخاتمة في خلاصة القول في هذه المسالة.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقني للحق وأن يلهمني الصواب بفضله ومنه.
تمهيد في تعريف المصلحة لغة واصطلاحا:
المبحث الأول: تعريف المصلحة لغة:
المصلحة واحدة المصالح مأخوذة من الصلاح ضد الفساد، والاستصلاح نقيض الاستفساد [الصحاح: مادة '' صلح '' 1/ 383 - 384، القاموس المحيط 1/ 243].
المبحث الثاني: تعريف المصلحة اصطلاحا:
اختلفت تعاريف العلماء للمصلحة بناء على مراد كل واحد منهم، وذلك على أقسام:
الأول: من أراد تعريف المصلحة مطلقا مثل ابن قدامة حيث قال: المصلحة هي جلب المنفعة ودفع المضرة [روضة الناظر، ص 169].
وقال د. التركي: المصلحة الوصف الذي يكون في ترتيب الحكم عليه جلب منفعة للناس أو درء مفسدة عنهم [أصول مذهب الإمام أحمد، ص 413] وهو أدق من الأول.
وقال د. الربيعة: المصلحة في الاصطلاح: المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده من حفظ دينهم ونفوسهم وعقولهم ونسلهم ومالهم ودفع ما يفوت هذه الأصول أو يخل بها [الأدلة المختلف فيها، ص 190]. فهذا حصر للمصلحة في هذه الجوانب وهي لا تنحصر فيها.
الثاني: من أراد تعريف المصالح المرسلة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المصالح المرسلة: هو أن يرى المجتهد أن هذا الفعل يجلب منفعة راجحة وليس في الشرع ما ينفيه [مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 11/ 342] وهذا تعريف جيد.
وقال د. المنصور: هي الأوصاف التي تلائم تصرفات الشارع ومقاصده ولكن لم يشهد لها دليل معين من الشرع بالاعتبار والإلغاء ويحصل من ربط الحكم بها جلب مصلحة أو دفع مفسدة عن الناس [أصول الفقه وابن تيمية، 1/ 452].
¥