[تبصرة وجيزة عن (الخلاف بين العلماء) و (من يحق له الاجتهاد)]
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[26 - 03 - 07, 03:10 م]ـ
تبصرة وجيزة عن الخلاف بين العلماء
ينبغي أن يُعلَم أولاً أن الخلاف سنة كونية، فكما يتباين الناس في ألوانهم وأشكالهم وألسنتهم وأخلاقهم تبايناً عظيماً، يتباينون في أفهامهم وعقولهم ومداركهم.
والخلاف هنا على نوعين: خلاف سائغ، وخلاف مذموم.
فالسائغ هو الخلاف الناجم عن اجتهاد الفقيه بقصد الوصول للحق في المسائل التي يسوغ فيها الاختلاف، وقد أَذِن الشرع المطهَّر بذلك؛ ففي الصحيحين من حديث عمرو بن العاص t أنه سمع رسول الله r قال: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر).
وما زال العلماء يختلفون في مسائل الفروع الفقهية دون إنكار لأصل الاختلاف [1] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn1)، ويظهر ذلك جلياً حتى في عصر الصحابة الكرام y، ومن ذلك:
· اختلافهم في مكان دفن النبي r.
· اختلافهم في الخليفة من بعده.
· اختلافهم في قتال مانعي الزكاة في خلافة الصِّدِّيق t.
- واختلف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في سبي أهل الردة؛ فرأى ابو بكر أن يُسْبَين، وأما عمر فقد حكم بردهن إلى أهليهن في خلافته.
-واختلفا في قسمة الأراضي المفتوحة بين المقاتلين؛ فقسمت في عهد أبي بكر، ولم تقسم في عهد عمر فأبقاها بيد أهلها.
-واختلف عمر وابن مسعود رضي الله عنهما في مسائل عديدة؛ فكان ابن مسعود يطبِّق يديه في الصلاة، وكان عمر يضعهما على الركبتين وينهى عن التطبيق.
-وكان ابن مسعود يقول في رجل قال لامرأته أنتِ عليّ حرام: أنها يمين، ويرى عمر أنها طلقة واحدة.
-واختلف ابن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهما؛ فكان ابن عباس يرى أن الجد كالأب يحجب جميع الإخوة والأخوات في الميراث، ويرى زيد أن الإخوة يرثون مع وجود الجد.
بل حصل الخلاف في حياة النبي r؛ فعن ابن عمر t قال: قال النبي r يوم الأحزاب: (لا يُصَلِّيَنّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة، فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يُرِدْ منا ذلك. فذُكِر ذلك للنبي r فلم يعنِّف واحداً منهم. البخاري. وعن أبي سعيد t قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيداً طيباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة، ولم يُعِد الآخر، ثم أتيا رسول الله r فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد: (أصبتَ السنة وأجزأتك صلاتك)، وقال للذي توضأ وأعاد: (لك الأجر مرتين) أبو داود والنسائي.
ومع كل ما سبق ذكره، فلنقف مع هذين الموقفين وقفة تأمل واعتبار:
الموقف الأول: جاء رجلان إلى ابن مسعود، كل منهما يقرأ القرآن بقراءة تخالف الآخر، فاستمع ابن مسعود إليهما، فقال أحدهما: أقرأنيها عمر بن الخطاب. فأجهش ابن مسعود بالبكاء حتى ابتل الحصى بدموعه، ويقول: اقرأ كما أقرأك عمر فإنه كان للإسلام حصناً حصيناً يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أصيب انثلم الحصن.
ويُقْبِل ابن مسعود يوماً في حياة عمر، فلما رآه عمر قال: كنيف ملئ علماً.
فلم يكن لاختلافهما في الرأي أثر على القلوب، ولم يمنعهما ذلك من محبة صادقة وثناء جميل واعتراف بالفضل.
الموقف الثاني: رأى ابن عباس زيداً راكباً دابته، فأخذ بركابه يقود به فقال زيد: تنحَّ يا ابن عم رسول الله، فيقول ابن عباس: هكذا أُمِرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرني يدك، فأخرج ابن عباس يده فقَبَّلَها زيد قال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا e.
وحين توفي زيد قال ابن عباس: هكذا ذهاب العلم، لقد دُفِن اليوم علم كثير.
فأين هذا من الخلاف المذموم بصوره الكثيرة، كالاختلاف الذي مس العقائد وأصول الدين، والاختلاف الذي مبناه اتباع الهوى والتعصب للرجال على حساب أدلة الكتاب والسنة والإجماع، واختلاف القلوب وتنافرها بناء على آراء يسوغ فيها الاجتهاد؟!.
أما أسباب الاختلاف بين الفقهاء فهي كثيرة، من أهمها:
1 - أن الدليل لم يبلغ الفقيه.
2 - أن يكون الدليل غير ثابت عنده، كأن يبلغه من طريق ضعيفة.
3 - تعارض الأدلة في ظاهرها.
4 - الاختلاف في فهم النص.
5 - عدم وجود نص في المسألة.
¥