والقصاص مأخوذ من القص وهو القطع، ويقال اقص الحاكم فلاناً من قاتل وليه فاقتص منه، ويقال للمقراض مقص وقاصصت فلاناً من حقه إذا قطعت له من مالك مثل حقه، ووضع القصاص موضع المماثلة (4). وعليه فالقصاص المساواة بين الجريمة والعقوبة (5).
وقد شرع القصاص في القرآن ابتداء مع أصول الدين وقواعده الثابتة، فهو كلية من كليات الشريعة التي حض الشارع على الحفاظ عليها من ناحية الوجود والعدم. قال تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى" بالأنثى" فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى" بعد ذلك فله عذاب أليم http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF(1). http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF(2). والحديث هنا ينحصر في الجريمة التي يقدم عليها فاعلها عمداً (3)، قاصداً إزهاق روح المجني عليه.
والآيات تشير إلى أن القصاص هو التكافؤ بأن تُهدر و تُزهق روح الجاني مقابل إزهاقه لروح المجني عليه، وأن يكون الاثنان في درجة ومنزلة واحدة. وعلى هذا فلا تفضيل لأحد على أحد في إجراء القصاص (4).
وليس ثمة خلاف في وجود حكم القصاص بين أهل التوراة كما هو في أهل هذه الأمة (1). قال تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF(2).
وقد جعل الشارع القصاص عقوبة أصلية في جريمة الاعتداء العمد على النفس والأطراف، إلا أنه شرع كذلك عقوبة بدلية ألا وهي العفو كنوع من التخفيف والترغيب في الارتقاء بالمسلم إلى مصاف العافين عن الناس. قال تعالى: http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_R.GIF فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان http://www.fiqhia.com.sa/Images/BRAKET_L.GIF(3) . وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قوله: "كان على بني إسرائيل القصاص أو العفو وليس بينهم دية في نفس ولا جرح فخفف الله عن أمة محمد بالدية .. " (4).
ثانياً: فلسفة القصاص في الإسلام
ينبني القصاص في التشريع الإسلامي على تحقيق العدالة والمساواة. فالمراد بالقصاص في مختلف النصوص، قتل من قََتَلَ كائناً من كان. وفي ذلك رد على كل الأمم والطوائف التي لم تجعل العدالة والمساواة أساساً للقصاص.
فقد كانت العرب قبل الإسلام تقتل بمن قتل من لم يقتل، وتقتل في مقابلة الواحد مائة افتخاراً واستظهاراً بالجاه والمقدرة، وكان ذلك عرفاً سارياً بين العديد من القبائل العربية التي رأت في ذلك لوناً من السلطة وإظهار القوة والمنعة.
وهنا جاء الإسلام ليغير تلك الأعراف والملابسات، فأمر الله سبحانه بالعدل والمساواة فمن قتل يُقتل ويؤاخذ بجريمته وحده. وعلى هذا الأساس قتل عمر -رضي الله عنه- سبعة برجل واحد من صنعاء وقال قولته المشهورة: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعاً (1).
وهو في هذا -رضي الله عنه- منّفذ لمفهوم القصاص في الشريعة الإسلامية المبني على العدالة والمساواة. وحديث الرسول شاهد على ذلك المفهوم الأصيل، حيث يقول: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" (2).
الخاتمة
استهدفت هذه الدراسة محاولة الكشف عن أثر العرف والظرفية الاجتماعية في فهم المجتهد للنصوص الشرعية المتعلقة بقضية قصاص المرأة وديتها. فقد أوضحت الدراسة الأثر المهم الذي تلعبه الأعراف والظروف الاجتماعية في تكوين تصور معين لدى المجتهد حال تناوله النصوص المختلفة.
وتأثر المجتهد بموروثه الاجتماعي وأعراف بيئته أمر ملازم لعملية تأويل النصوص، فالفقه لا يكون فقهاً إلا إذا أدرك المجتهد طبيعة الواقع المعاش وملابساته، وراعى أعرافه ووقف على عاداته. بيد أن ذلك كله لا ينبغي له أن ينازل النصوص وإطلاقيتها المفارقة لكل الأعراف وتقلباتها الحاكمة عليها والمهيمنة على تصويبها.
فالتأويلات والأفهام البشرية لأي نص حصيلة ثلاثة عناصر متضايفة، النص ذاته، الموروث الفقهي لقارئ النص، المجتمع بظروفه المتقلبة المتغيرة. فلا ينبغي أن تخرج تلك التأويلات في فهم النصوص عن كونها جهداً بشرياً محكوماً بنسبية الزمان والمكان والأوضاع الاجتماعية المقارنة له.
وعلى هذا ينبغي التمييز والتفرقة بين الاجتهاد البشري النسبي المحكوم بظرفيته وبيئته من جهة، وبين النص الثابت المفارق للظرفية الاجتماعية والبيئة.