فالقول بمشروعية المسح على الجوربين إذا كان أسفلهما من الجلد قول جماهير العلماء-رحمهم الله-من السلف والخلف، وعلى هذا حملت الأحاديث التي وردت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمشروعية المسح على الجوربين؛ لأن الجورب إذا كان أسفله من الجلد وكان ثخيناً من الظاهر من صوف وقطن ونحو ذلك فإنه أبلغ في الستر ولذلك يكون في حكم الخفين، وعلى هذا فإن الجوارب المجلدة لا إشكال في جواز المسح عليها.
الحالة الثانية: أن يكون الجورب ثخيناً وهو الذي يعبر العلماء-رحمهم الله-عنه في كتب الفقهاء بقولهم "أن يكون صفيقا "والصفيق هو: الثخين وحده بعض العلماء بكونه لا ترى البشرة من تحته وهو قاصر.
والصحيح أن المراد به ما كان ثخيناً من حيث الجرم والحجم، وعلى هذا فإنه إذا كان الجورب ثخيناً ولم يكن مجلدا فللعلماء-رحمهم الله- فيه قولين مشهورين:
القول الأول: يجوز المسح على الجورب إذا كان ثخيناً ولم يكن مجلداً، وبهذا القول قال فقهاء الحنابلة وهو المذهب عندهم وبه قال الصاحبان -أعني الإمام محمد بن الحسن والإمام أبو يوسف-صاحبا الإمام أبي حنيفة-رحمة الله على الجميع-وبهذا القول قال إسحاق بن راهويه وداود الظاهري؛ أنه يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين.
القول الثاني: لا يجوز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين غير مجلدين، وبهذا القول قال جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية-رحمة الله على الجميع-.
استدل الذين قالوا بجواز المسح على الجوربين الثخينين بهذا الحديث الذي معنا حيث أثبت أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مسح على جوربين؛ وقد جاء عن تسعة من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنهم مسحوا على الجوارب وبذلك قالوا بمشروعية المسح على الجوربين.
وأكدوا ذلك بأن الجمهور يتفقون على أن الجوربين إذا كانا ثخينين مجلدين أنه يجوز المسح عليهما، ومن المعلوم: أن المجلد أسفله من الجلد والأسفل ليس محلا للمسح حتى يؤثر في الحكم؛ وإنما الحكم للظاهر من حيث المسح فلما كان الظاهر ثخينا جاز المسح على غير المجلد كما جاز المسح على المجلد الثخين والقياس في هذا صحيح قوي.
واستدل الذين قالوا بالمنع بأن الله سبحانه وتعالى أوجب على عباده غسل الرجلين في كتابه العزيز ثم جاءت السنة الصحيحة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تستثني الخفين قالوا فقلنا باستثناء الخفين ثم استثنينا الجوربين المجلدين؛ لأن فيهما شبها بالخفين، وأما إذا كانا على غير ذلك فإنه باق على الأصل لأن الأصل يوجب علينا أن نغسل الرجلين، وأما المسح فإنه رخصة لا يجوز العدول إليها إلا بدليل قوي وحملوا الدليل الذي ورد في المسح على الجوربين بأنهما كانا منعلين أي أن أسفلهما من الجلد.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بمشروعية المسح على الجوربين الثخينين إذا لم يكونا مجلدين، وذلك لصحة دلالة السنة على مشروعية ذلك.
وأما بالنسبة لحمل الحديث على المجلد فإنه تقييد بلا دليل، ولذلك يقوى القول القائل بجواز المسح على الشراب الثخين؛ لأنه في حكم الخفين من حيث سماكته وتغطيته لمحل الفرض والمؤثر سماكته حتى ينزل القماش منزلة الجلد في الستر والقوة.
أما الحالة الثالثة فهو أن يكون الجورب خفيفاً: وهذا النوع من الجوارب يكون تارة شفافاً كما تسميه العامة بالشراب الخفيف، فهذا النوع من الجوارب جماهير السلف والخلف على منع المسح عليه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إنما مسح على الجوارب التي كانت معروفة في زمانه"وما ورد مطلقاً في الأحاديث فإنه يقيد بالعرف النبوي" وهذا أصل عند العلماء-رحمهم الله-؛ لأن إطلاقات السنة منصبة على ما هو معروف ومعهود في زمان التشريع والوحي، ولذلك قالوا إن الحكم بجواز المسح على الجوربين نحمله على ماكان معروفاً في زمان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهذه الجوارب الخفيفة الشفافة الرقيقة لم تكن معروفة؛ وإنما كان الصحابة-رضوان الله عليهم- يضعون اللفائف والجوارب لكي يمشوا عليها فهي جوارب ثخينة وليست بخفيفة، وعلى هذا فإنه لا يجوز المسح عليها وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وجمع من أصحاب الإمام أحمد، وقال الظاهرية
¥