وتارة يطلق الأمة ويراد بها الإمام المقتدى به في الخير ?إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا? [النحل:120].
ويراد بالأمة الناس المجتمعون على شيء يؤم بعضهم بعضا فيه وهذا قد يكون على المستوى المحلي الجزئي وقد يكون على المستوى العام.
فإذن كلمة (الأمة) في الاصطلاح الذي نريده هنا قد يكون المراد بها الأمة المتعلقة بوطن من الأوطان، أو الأمة التي هي أمة الإسلام بأجمعه، ويصح التناول بهذا الاعتبار والتناول بهذا الاعتبار والمصالح الدينية عامة في الجميع؛ لكن ربما اختلفت بعض الوسائل لاختلاف الفرق ما بين الأمة الصغرى مع الأمة الكبرى.
[من هم المرجعية في تحديد المصالح العليا للأمة؟]
هنا نأتي إلى أمر مهم وهو أن رعاية المصالح -المصالح العليا في الأمة- لاشك أنها مادام أنها راجعة إلى هذه الأمور الخمسة -وسيأتي تفصيل الكلام على أطراف منها- فإننا نجد أن الحاجة ماسة إلى معرفة من الذي يرجع إليه في فهم هذه المصالح.
ذكرت لكم أن المصالح:
منها مصالح عليا وهي المرادة بهذه المحاضرة.
ومنها مصالح وسطى تتعلق بعامة الناس.
ومنها مصالح فردية تتعلق بالمفرد المسلم في ذاته.
وكلامنا على المصالح العليا وما يتصل بذلك.
هنا من يلي المصالح؟ ومن هو الذي يوعز إليه أو هو المطالب شرعا برعاية هذه المصالح؟
كما رأينا المصلحة مراد الشرع وتحقيقها تحقيق للشرع، وإذا كان الأمر كذلك فإن كل فرد في الأمة مخاطب بتحقيق مصلحة بحسب ما خوطب به من الشريعة.
فالمصلحة المنوطة بالإمام ولي الأمر لها شأنها.
المصلحة المنوطة بالقاضي لها شأنها.
المصلحة المنوطة برجال الإفتاء لها شأنها.
المصلحة المنوطة برجال السياسة لها شأنها.
المصلحة المنوطة برجال الاقتصاد لها شأنها.
المصلحة المنوطة برجال الأمن والحماية وحفظ الثغور لها شأنها.
وهكذا في كل التفاصيل، والله جل وعلا يقول في محكم التنزيل ?الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ? [الأنعام:82]، ويقول أيضا جل وعلا ?يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ? [ص:26]، ويقول أيضا جل وعلا ?وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا? النتيجة والمصلحة ?يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا? [النور:55].
[المسؤولية في مصالح الأمة العليا راجعة إلى ولي الأمر أو من ينيبه]
ونبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» وابتدأها بقول «فالإمام راع ومسؤول عن رعيته» الحديث، وهذا الحديث المتفق على صحته يدل على أن المسؤولية عن تحقيق المصالح الشرعية منوطة بكل أحد بحسب حاله، فالمصالح الدنيا المتعلقة بالأفراد المسؤول عنها الفرد «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، والأمور المتعلقة بما هو أكبر منوطة أيضا بالمسؤولية، والمسؤولية العظمى لولي الأمر «والإمام راع ومسؤول عن رعيته».
وهذا يدل على أن الخطاب لتحقيق المصلحة ودرء المفسدة عن الأمة منوط في الأصل بحكم عقد البيعة بالإمام وولي الأمر، ثم هو منوط بنوابه سواء كانوا أفرادا أو جهات، لهذا من يلي المصلحة ويعلم بهذه المصلحة؟
أولا الإمام ولي الأمر، وولي الأمر علمه بهذه المصلحة وكونه هو المخاطب بتحقيق المصالح الدينية والدنيوية قد يكون لإدراكه لهذه الأمور بنفسه أو يغيره من أهل الحل والعقد من المستشارين من مجلس الشورى من مستشاريه من خاصته ممن يثق فيهم، قد لا يتعين أن يكون هو المخاطب بها فقط، بل هو مخاطب بها إما بقوته في نفسه أو بمن معه من أهل الرأي والحل والعقد والاستشارة من ذوي العلم والاختصاص كل أهل مجال وتخصص في تخصصهم.
¥