أو النواب نواب ولي الأمر الأفراد أو الجهات، مثلا أمير بلد أمير منطقة أو محافظ بلد أو وزير أو رئيس جهة معينة أو نحو ذلك؛ لأنه لابد من التنظيم، ولما ولي الأمراء في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتّخذ العمال قال في ذلك «من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني» لأجل أنّ التفويض هنا تفويض رعاية المصلحة في هذه الفئة من الأمة والناس أناطها بنائب له في تحقيق هذه المصلحة، ثم عليه هو أن يحاسبه على ما فعل وتحققيه للمصالح الدينية والدنيوية في الناس.
وكذلك الجهات قد تكون المصلحة منوطة بجهة ليس بفرد، فينوب عن الإمام بحكم العقد العام؛ ينوب عنه في تحقيق المصلحة جهة مثلا جهة قضائية، جهة الفتوى، جهة إمامة المساجد، الأصل أنّ الذي يؤم المساجد من؟ هو الإمام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان هو النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ كان الإمام وكان القاضي كان المفتي، وكان هو الذي يؤم الناس في المسجد، وهذا مشى فترة من الزمن حتى توسعت البلاد فلجأ ولاة الأمر والخلفاء إلى التنظيم بتجزئة العمل، فصار كل له اختصاص.
وقد يكون هناك جهات قضائية مسؤولة عن هذا الأمر في تحقيق مصالح الشرع في القضاء الذي هو تحقيق العدل ودفع الظلم والأخذ لذي الحق حقه من خصمه.
جهات الفتوى في التبليغ عن رب العالمين، وضبط ذلك، وأن لا يكون الناس في نزاع في هذه الجهة.
الجهات الأمنية فيما يخص ضبط الأمر.
الجهات الاقتصادية في ضبط أموال الناس فيما يخصهم.
الجهات الاجتماعية في رعاية أخلاق الناس ورعاية ما يصلحهم والمحافظة على الأسرة وبناء المجتمع.
لهذا كانت إذن المسألة موزعة من حيث من يلي هذه المصالح، مصالح دفع المنكرات وتحقيق المعروف منوطة بالجميع وبجهة مختصة في ذلك يقيمها ولي الأمر إن أراد ذلك، وهكذا في أشياء أخر.
[عدم جواز تعدي الفرد على الإمام في تحديد مصالح الأمة العليا]
هذا ينبني عليه إذن أن المصالح التي تحدثوا عنها -المصالح الراجعة للدين والراجعة للدنيا في مقصود الشرع من الخلق- هذه المصالح لابد أن يركز من يلي هذه المصالح ومن المخاطب بها، فإذا جاء أحد من الأفراد هو مخاطب بإصلاح بيته، المصلحة الشرعية المنوطة بالمنزل هو مخاطب بها فأراد نفسه مخاطبا بالمصالح الأمة العليا فحينئذ يكون قد تعدى ما جُعل له شرعا؛ لأن الحديث «الإمام راع ومسؤول عن رعيته» ثم فصّل حتى جاء إلى المرأة في بيتها والمرأة راعية ومسؤولة، فإذن كل أحد عنده مسؤولية بحكم الشرع فلابد أن يرعاها فإذا تعدى إلى هذه المسؤولية ودخل في تهيئة نفسه إلى مصالح لم يخاطب بها أصلا بتحقيقها أو براعيتها فإنه حينئذ يكون قد فعل ما لم يؤذن له في الشرع أو بما لا تتحقق معه المصلحة في الشرع.
المحافظة على هذه المصالح من حيث الأمور فرض وضرورة المحافظة على المصالح الدينية والدنيوية، ولهذا كان من الضرورات الملحّة أن يحفظ على الناس ما به صلاح دينهم وأن يحفظ على الناس ما به صلاح دنياهم.
[أهمية حفظ الدّين وكيفية ذلك]
أما صلاح الدين، بمعنى أن يكون دينهم صلاحا هي أعظم المقصود؛ لأن الرسل بعثت لإصلاح دين الناس، ودين الناس عام تحقيقه بتحقيق صلة الناس بربهم جل وعلا بعبادته وحده لا شريك له والامتثال للشرع -الامتثال للعبادات المفروضة العملية الأربعة- فدين الناس ممتثل في الأركان الخمسة للإسلام، وهذا هو المطلب الأعظم والمصلحة العليا التي تجب المحافظة عليها.
ولذلك قدمت المحافظة على الدين قبل المحافظة على الأنفس؛ لأنه هنا تجب المحافظة على دين الناس بمعنى أن يحافظ على توحيدهم عقيدتهم على عباداتهم على إتيانهم لفرائض وانتهائهم عن المحرمات والموبقات.
الدين به يتحقق الصلاح، والمراد به التوحيد وما يلزم عنه، والشرك وما يلزم عنه أو وسائل الشرك هذا هو الفساد، لهذا قال الله جل وعلا في سورة الأعراف ?وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ? [الأعراف:56]، ?وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا?، إصلاحها بأي شيء؟ قال أهل التفسير: بعد إصلاحها بالتوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له، والإفساد فيها بالشرك ووسائل الشرك، لماذا؟ لأن المقصود الأعظم من خلق الإنسان هو أن
¥